السبت، 15 أكتوبر 2016

حقيقة العلم الاجمالي

في تفسير حقيقة العلم الاجمالي وفي بيان حقيقته وكيفية تعلقه بمتعلقه اربعة اقوال :
القول الاول : تعلق العلم الاجمالي بالفرد المردد
القول الثاني : تعلق العلم الاجمالي بالجامع
القول الثالث : تعلق العلم الاجمالي بالواقع
القول الرابع : تعلق العلم الاجمالي بالجامع الملحوظ بنحو الاشارة الى الخارج

ندخل في بعض التفصيل :
القول الاول : تعلق العلم الاجمالي  بالفرد المردد
صاحب الكفاية الخراساني في بحث الواجب التخييري صور الواجب التخييري بانه متعلق بالفرد المردد واشار هناك الى اشكال ودفعه :
الاشكال : انه كيف تتعلق صفة الوجود بالفرد المردد؟
دفع الاشكال :
[ ان الوجوب امر اعتبار لا باس بتعلقه بالمردد , كيف وصفة العلم وهي صفة حقيقية لا اعتبارية قد تتعلق بالفرد المردد كما في موارد العلم الاجمالي ]
وهذه العبارة هي محل الشاهد على قول ومبنى صاحب الكفاية حيث يعتبر ان العلم الاجمالي يتعلق بالفرد المردد

اشكال المشهور:
استشكل المشهور بان الفرد المردد مستحيل خارجا وذهنا وعليه فيستحيل تعلق العلم الاجمالي بالفرد المردد
لان هذا الفرد او الشيء  ام واجب او ممتنع في الوجود وبلحاظ الخارج اما واجب فهو متحقق واما متنع فهو غير موجود في الخارج
فالفرد او الشيء اذا وجب وجد واذا وجد فهو واجب لانه لا يوجد في الخارج الا اذا كان واجبا فلا تردد في المقام اذن يستحيل الفرد المردد .

ندخل في بعض المطالب المنطقية زيادة توضيح :
أ- ان الكلام عن العلم يعني الكلام عن العالم والمعلوم بالذات اذن الكلام عن العلم يتسبطن الحديث عن العالم واذا وجد العالم اذن يوجد شيء المعلوم .
ب- المعلوم هو المعلوم بالذات وليس المعلوم بالعرض لان العلم يتعلق بالصورة الذهنية والصورة الذهنية هي المعلوم بالذات والخارج معلوم بالعرض فالمعلوم المقوم للعلم هو المعلوم بالذات اي الصورة الذهنية .
فانت تعلم ليس بالنار الخارجية وعلمك ليس مضافا الى النار الخارجية وانما لصورة النار اي صورة النار الذهنية .
ج-الوجود الذهني كما الوجود الخارجي يساوق ويلازم التشخص والتعين اذن لا بد من تشخص وتعين المعلوم بالذات او الصورة الذهنية اي لا بد من عدم التردد في الصورة الذهنية والصورة الذهنية هي المعلوم بالذات .
اذن لا بد من عدم التردد في الصورة الذهنية او المعلوم بالذات حتى يتحقق ويصدق عليها انها وجود ذهني .
د- واذا كان الوجود متعينا كانت الماهية متعينة وذلك لان الماهية هي التي تحدد وتعين الوجود اي هي حد الوجود وقالبه ومع تردد الماهية فان الوجود يتردد ايضا فلا يكون معينا ولا مشخصا فلا بد من تعين المعلوم بالذات وجوداً بالحمل الشايع - وماهية - بالحمل الاولي - معاً .
اذن في الرد على القول الاول للمحقق الخراساني نقول :
انه لابد من تعين بالذات وجودا وماهيتا معا ويتسحيل التردد في الوجود والماهية بالنسبة الى المعلوم بالذات اذن يستحيل الفرد المردد فاذا كان يقصد بالفرد المردد ماهية او وجودا فهو مستحيل .

القول الثاني : تعلق العلم الاجمالي بالجامع
ذهب المحقق الاصفهاني ومدرسة المحقق النائيني الى ان العلم الاجمالي يتعلق بالجامع وبرهانه قالوا :
ان الفروض المتصورة في العلم الاجمالي وتعلقه اربعة :
أ- ان لا يكون العلم الاجمالي متعلقا بشيء اصلاً
وهذا الفرض باطل وهو واضح البطلان لان العلم من الصفات ذات الاضافة فعندما نقول علم اذن يوجد معلوم فلابد وان يتعلق العلم بشيء لابد من تعلق العلم بمعلوم .

ب- ان يكون العلم الاجمالي متعلقا بالفرد بعنوانه التفصيلي
وهذا الفرض باطل ايضا لانه يوجب انقلاب العلم الاجمالي الى علم تفصيلي

ج- ان يكون العلم الاجمالي متعلقا بالفرد المردد
وهذا الفرض باطل ايضا كما برهنا على بطلانه في القول الاول وقلنا باستحالة الفرد المردد في الذهن وفي الخارج .

د- ان يكون العلم الاجمالي متعلقا بالجامع
وهذا الفرض هو المتعين بعد اثبات بطلان باقي الفروض الثلاثة وعليه فان العلم الاجمالي هو علم تفصيلي بالجامع ولا يتعدى الجامع الى الفرد المردد ولا الى الفرد غير المردد مضاف اليه شك في الخصوصيات .
بل اكثر من ذلك قالوا هو ليس عبارة عن علم وشك بل هوعبارة عن علم وعلم فاشار الى امكان تحليل العلم الاجمالي الى علمين :
1- علم بالجامع
2- علم بكونه غير خارج عن احد الفردين او الافراد .


القول الثالث : تعلق العلم الاجمالي بالواقع
وينسب هذا القول الى المحقق العراقي حيث اشار الى ان تعلق العلم الاجمالي بالواقع وليس بالجامع وهنا دعويان :
أ- ان الفرق بين العلم التفصيلي وبين العلم الاجمالي ليس في المعلوم - المعلوم بالذات - وعليه وعليه لا يتم القول ( بان العلم الاجمالي يتعلق بالجامع وانه لا تفاوت ولا فرق بين العلم الاجمالي وبين العلم التفصيلي من حيث العلم وانما الفرق بينهما في المعلوم ففي العلم التفصيلي فان المعلوم هو صورة الفرد وفي العلم الاجمالي فان المعلوم هو صورة الجامع مع الشك بالخصوصية الفردية )

ب- ان الفرق بين العلم التفصيلي وبين العلم الاجمالي في نفس العلم وعليه يتم القول : ( بانه لا فرق ولا تفاوت بين العلم التفصيلي وبين العلم الاجمالي من ناحية المعلوم ,فالمعلوم فيهما واحد وهو الواقع اي ان المعلوم فيهما هو الفرد المعين وانما الفرق بينهما من ناحية نفس العلم نظير الفرق بين الاحساس الواضح وبين الاحساس المشوب فالعلم الاجمالي علم مشوب بالاجمالي كالمراة غير الصافية
اما العلم التفصيلي فهو علم واضح لا يشوبه شيء كالمراة الصافية ).

البرهان :
استدل المحقق العراقي على مبناه بما حاصله :
ان العنوان القائم في افق العلم اي المعلوم بالذات ينطبق على الواقع بتمامه .
بيانه :
ان العلم لو كان متعلقا بالجامع اي لو كان المعلوم بالجامع او هو صورة الجامع فان المعلوم لا ينطبق الا على الحيثية الجامعة في الافراد وهذه الحيثية الجامعة تعتبر جزءا تحليليا من الفرد وليست هي الفرد .
عندما اقول زيد في الخارج وبكر في الخارج وخالد في الخارج جامع الانسان الخارجي موجود في زيد الخارجي وعمر الخارجي وفي بكر الخارجي وهكذا اذن جامع الانسان الخارجي هو ليس نفس زيد وليس نفس بكر وليس نفس عمر ليس نفس الفرد الخارجي والجامع الذهني ليس نفس الفرد الذهني فالجامع الخارجي غير الفرد الخارجي والجامع الذهني غير الفرد الذهني لان الجامع هو جزء تحليلي من الفرد والجامع ينتزع بطرح الخصوصيات الفردية .
اذن الجامع وبعد طرح الخصوصيات الفردية يستحيل ان ينطبق على الفرد بتمامه اي يستحيل ان ينطبق على الفرد بما هو فرد وهذا خلف الوجدان القاضي بان المعلوم الاجمالي ينطبق على الفرد بتمامه .
وبذلك يثبت عدم تمامية ما ذهب اليه اصحاب القول الثاني من تعلم العلم بالجامع لانه ثبت بالبرهان ان الجامع لا ينطبق على الفرد بتمامه وانتم تقولون بان المعلوم ينطبق على الفرد بتمامه وفي نفس الوقت تقولون بان المعلوم هو الجامع فكيف تجمعون بين الجامع ينطبق على الفرد بتمامه وما ثبت بالبرهان من ان الجامع لا ينطبق على الفرد بتمامه .

اشكال على برهان المحقق العراقي :
ان البرهان غير تام لان الاصل الموضوعي الذي اعتمده غير تام لان احدى مقدمات البرهان على اقل التقادير غير تامة حيث ان كلامه يستبطن هذه المقدمة التي هي الاصل الموضوعي الذي اعتمد عليه : ( ان كل عنوان جامع يستحيل ان ينطبق على الفرد بخصوصه او بتمامه ) وهذا الكلام غير تام وغير صحيح على اطلاقه لانه يوجد نوع من الجوامع ينطبق على الفرد بخصوصه او بتمامه وهي الجوامع العرضية بالنسبة لما هو فرده بالعرض ومثال الجامع العرضي عنوان : ( الفرد,الشخص, الخاص, احدهما ) .
فان عنوان (الفرد) لا يدخل كجزء تحليل في زيد او في بكر او في عمر او عنوان (خاص) لا يدخل كجزء تحليل في زيد او في بكر او في عمر بينما في الجامع الذاتي فان عنوان الانسان يدخل كجزء تحليلي وهو جزء تحليلي من زيد وعمر وبكر وخالد .

القول الرابع : تعلق العلم الاجمالي بالجامع الملحوظ بنحو الاشارة الى الخارج .
في المنطق قيل بانقسام المفاهيم الى مفهوم كلي ومفهوم جزئي والمقصود منه امران :
الامر الاول:
ان هذا الانقسام لا يراد به ان المفهوم الجزئي يمتاز على المفهوم الكلي في انه في المفهوم الجزئي قد اخذ الجامع والخصوصية الزائدة على الجامع .
وذلك لان اخذ الخصوصية الزائدة مع الجامع لا يصير ولا يجعل المفهوم جزئيا بل يبقى المفهوم كليا لان الجامع مفهوم كلي وكذلك الخصوصية الزائدة او القيد الزائد التي تؤخذ تكون كلية في نفسها وقابلة للصدق على كثيرين حتى لو فرض انحصار مصداقها خارجا بمصداق واحد فهي تبقى كلية ما دامت قابلة للصدق على كثيرين .
ومن الواضح ان اضافة الكلي الجامع الكلي الى الكلي الخصوصية القيد في المقام ينتج مفهوما كليا ايضا قابلا للصدق على كثيرين نعم هذا الكلي الناتج يسمى بالجزئي الاضافي لكن مع هذا فقد علمنا ان الجزئي الاضافي كلي وليس جزئي .

الامر الثاني :
يراد بالتقسيم ان المفهوم الجزئي قد اخذ فيه المفهوم الكلي الجامع بما هو مشار به الى الخارج والو واقع الحصة وواقع الوجود الخارجي .
فواقع الحصة وواقع الوجود الخارجي هو الذي يشخص المفهوم اي ان المفهوم يتشخص بواقع الحصة والوجود الخارجي وهذا يعني ان التشخص الحقيقي والجزئية الحقيقية تكون بالوجود وليس بالماهيات او بالمفاهيم , والوجود ليس له مفهوم ذاتي اي ليس له جنس وفصل وبهذا اللحاظ لا يمكن للذهن ان يدرك الوجود انما يكون ادراك الوجود من قبل الذهن بطريقة الاشارة الذهنية , والاشارة الذهنية هي نوع من الاستخدام الذهني للمفهوم , حيث ان الذهن يشير بالمفهوم الى الخارج والى واقع الحصة والى واقع الوجود الخارجي كالاصبع الخارجية التي تشير بها الى شيء .

تنبيه :
ان الاشارة الذهنية غير الفنائية ,فالفنائية يقصد بها ملاحظة المفهوم فانيا في مصاديقه الخارجية وهذا يقتضي التشخص ولا الجزئية الحقيقية ولا ينافي الصدق على كثيرين .
اما الاشارة الذهنية فهي استخدام ذهني بان الذهن يستخدم المفهوم ويشير به الى الواقع الى الوجود الخارجي فيحصل التشخص والتعين والجزئية الحقيقية .

المتحصل مما سبق :
ان العلم الاجمالي يتعلق بمفهوم كلي , الذي هو الجامع وهذا المفهوم الكلي ملحوظ بنحو الاشارة الخارجية اي ان هذا المفهوم او الجامع ملحوظ بما هو مشار به الى الخارج و مستخدم من قبل الذهن بنحو الاشارة به الى الخارج .
والنتيجة : ان نظرية ومبنى القول الرابع المختار قد جمعت بين الاقوال والمباني الثلاثة الاولى ويكون كل قول منها لاحظ جانبا من جوانب النظرية المختارة في تفسير حقيقة العلم الاجمالي وتعلق العلم الاجمالي بمتعلقه وبالالتزام بهذه النظرية تكون قد دفعنا كل الاشكالات المسجلة على الاقوال الثلاثة السابقة وعليه :

اولا:يصح القول الاول ( تعلق العلم الاجمالي بالفرد المردد)
لان الاشارة في موارد العلم الاجمالي لا يتعين فيها ولا يتعين بها المشار اليه من ناحية الاشارة نفسها وذلك لان الاشارة هي اشارة الى واقع الوجود وحسب الفرض فان واقع الوجود مردد بين الوجودين الخارجيين .
كما لو انه يوجد كرتان في الخارج وكان مكان ظهور الكرتين يختلف او بينهما مسافة وبسرعة مرة تظهر هذه وتختفي هذه وتظهر الثانية وتختفي الاولى وانت تريد ان تشير باصبعك الى الكرة التي في الخارج هذه او هذه ويبقى الاصبع يتردد اذن انت تريد ان تشير الى كرة واحدة لكن حصل التردد بالاشارة وبالاصبع بسبب التردد بالكرتين .
اذن يحصل التردد بالاشارة بسبب التردد بين الفردين الخارجيين او الافراد الخارجية اذا كان للعم الاجمالي اكثر من طرفين او فردين فالتردد بالاشارة يحصل بسبب التردد في الواقع والخارج , وهذا يعني ان التردد في الاشارة بمعنى ان كلا من الوجودين الخارجيين صالح لان يكون هو المشار اليه فالمشار اليه بما هو مشار اليه مردد وليس هذا من باب وجود الفرد المردد ذهنا ولا من باب وجود الفرد المردد خارجا لكي يقال ان الفرد المردد مستحيل .

ثانياً: يصح القول الثاني (تعلق العلم الاجمالي بالجامع )
وذلك لان اصحاب هذا القول لاحظوا المفهوم الذي تعلق به العلم وهذا المفهوم كما بينا هو مفهوم كلي تعلق بالجامع لان المفهوم بقطع  النظر عن كيفية استخدامه والاشارة به من قبل الذهن نحو الخارج او الواقع فهو كلي دائماً .

ان قلت :
ان العلم الاجمالي ليس متعلقا فقط بالجامع بل هو متعلق باكثر من الجامع فلا بد ان يكون متعلقا بالجامع والخصوصية الزائدة على الجامع ولا يوجد في المقام اكثر من الجامع الا الزيادة فالزيادة هي القيد او الخصوصية التي هي غير الجامع .
قلت : نحن نسلم ونتيقن بتعلق العلم بما هو زائد عن الجامع لكن هذه الزيادة لا تستلزم وجود الخصوصية والقيد بل ان الزيادة في المقام هي الاشارة .
فالعلم الاجمالي يكون متعلقا بالجامع بما هو مشار به الى الخارج وبهذه الاشارة يكون المفهوم جزئيا بلا حاجة الى ضم قيد وخصوصية زائدة بل حتى لو اضفنا خصوصية وقيد فلا يصير المفهوم جزئيا ما لم تكن الخصوصية عبارة عن اشارة اما اذا كانت مفهوما فهي كلية واضافة الكلي الى الكلي ينتج الكلي وليس الجزئي كما اشرنا له سابقاً .

ثالثاً: يصح القول الثالث ( تعلق العلم الاجمالي بالواقع ,تعلقه بالفرد )
ذلك لان المفهوم الكلي الجامع مستخدم بنحو الاشارة الى الخارج اي بنحو الاشارة الى الفرد والواقع ففي الحقيقة يراد بالعلم الاجمالي الاشارة الى فرد واحد اعلم بجامع الصلاة اعلم اما ان الجمعة واجبة والظهر ليست واجبة او صلاة الظهر واجبة والجمعة ليست واجبة .
اذن علينا ان نفرق بين العلم بالجامع وبين العلم الاجمالي فان العلم بالجامع هو علم تفصيلي بجامع صلاة الظهر والجمعة وهذا يحصل فيه الفنائية يوجد جامع مرة يفنى في هذا الفرد ومرة اخرى يفنى في الفرد الاخر اما العلم الاجمالي باحد الفردين باحد الصلاتين فهو من تطبيقات الاشارة الذهنية .
تنبيه:
الفرق بين العلم التفصيلي وبين الاشارة في العلم الاجمالي هو انه في العلم التفصيلي تكون الاشارة الى فرد وواقع معين اما في العلم الاجمالي فلا تكون الاشارة الى فرد وواقع معين بل تكون الى فرد واحد وواقع واحد لكنه مردد بين فردين او اكثر فالمراد واقعا هو فرد واحد وواقع واحد .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق