الثلاثاء، 10 مايو 2016

محاولة السيد الخوئي بدفع اشكال (عدم مانعية دخول القواعد الفقهية في تعريف علم الاصول ) والرد عليه من قبل السيد محمد باقر الصدر

عرف السيد ابو القاسم الخوئي علم الاصول في محاضرات في اصول الفقه /ج1/ص8 تقريرات الشيخ محمد اسحاق الفياض
: هو العلم بالقواعد التي تقع بنفسها في طريق استنباط الاحكام الشرعية الكلية الالهية من دون حاجة الى ضميمة كبرى او صغرى اصولية اخرى اليها .
ثم قال (الخوئي) ( وعليه فالتعريف يرتكز على ركيزتين وتدور المسائل الاصولية مدارهما وجوداً وعدما :
الركيزة الاولى : ان تكون استفادة الاحكام الشرعية الالهية من المسالة من باب الاستنباط والتوسيط لا من باب التطبيق (اي تطبيق مضامينها بنفسها على مصاديقها ) كتطبيق الطبيعي على افراده .

والنكته في اعتبار ذلك في تعريف علم الاصول :هي الاحتراز عن القواعد الفقهية فانها تقع في طريق استفادة الاحكام الشرعية الالهية ولا يكون ذلك من باب الاستنباط والتوسيط بل من باب التطبيق وبذلك خرجت عن التعريف ).

الركيزة الثانية : ان يكون وقوعها في طريق استنباط الحكم بنفسها من دون حاجة الى ضم كبرى اصولية اخرى وهذا بحث اخر .

وبعد ان طرح السيد الخوئي تعريف العلم الذي تبناه قال في (محاضرات في اصول الفقه /ج1/ص10 ) :( ظهر الفرق بين المسائل الاصولية والقواعد الفقهية فان الاحكام المستفادة من القواعد الفقهية , سواء اكانت مختصة بالشبهات الموضوعية كقاعدة الفراغ واليد والحلية ونحوها , ام كانت تعم الشبهات الحكمية ايضا كقاعدة لا ضرر ولا حرج بناء على جريانهما في موارد الضرر والحرج النوعي وقاعدتي ما يضمن وغيرها , انما هي من باب تطبيق مضامينها بأنفسها على مصاديقها لا من باب الاستنباط والتوسيط مع ان نتيجتها في الشبهات الموضوعية نتيجة شخصية )

ومن خلال هذه العبارة يتضح وجود ثلاث ركائز في المقام وليس ركيزتين اي اضافة الى الركيزتين السابقتين توجد ركيزة ثالثة وهي كلية الاحكام المستنبطة فتصبح الركائز :-
الركيزة الاولى : ان يكون الحكم المستفاد من القاعدة الاصولية حكما كليا .

الركيزة الثانية :ان تكون استفادة الحكم على نحو الاستنباط والتوسيط لا على نحو التطبيق اي لا من باب تطبيق مضامينها بنفسها على مصاديقها كتطبيق الطبيعي على افراده .

الركيزة الثالثة : انها لا تحتاج الى مقدمة اصولية اخرى لا كبرى ولا صغرى .

ويرد سؤالاً وهو كيف خرجت القواعد الفقهية بناء على التعريف الذي طرحه السيد الخوئي ؟
ونجيب على هذا التساؤل بانه يكفي في خروج القواعد الفقهية انتفاء احدى الركيزتين وذلك :
اولاً: الركيزة الاولى وهي ان تكون الاحكام المستفادة احكاماً كلية فلو ثبت ان القواعد الفقهية لا تنتج الا احكاماً شخصية كما هو ظاهر عبارة السيد الخوئي فلا تدخل هذه القواعد الفقهية ضمن القواعد الاصولية , لان من شروط القواعد الاصولية انها تنتج احكاماً كلية وهذه القواعد الفقهية لا تنتج الا احكاماً شخصية وبذلك تنتفي الركيزة الاولى في القواعد الفقهية .

ثانياً: الركيزة الثانية وهي ان تكون استفادت الاحكام على نحو الاستنباط والتوسط لا على نحو التطبيق . فلو سلمنا بأن القواعد الفقهية تنتج احكاماً كلية لكن نتاجها للاحكام الكلية هو من باب التطبيق وليس من باب الاستنباط والتوسط وهذا ما اشار اليه الخوئي بقوله (الحرج النوعي ) (ويقصد بالنوعية ما يقابل الشخصية )

وبتعبير اخر :
ان القواعد الفقهية تخرج عن تعريف علم الاصول :-
1- اما ناها لا تنتج احكاما كلية بل تنتج احكاما شخصية دائما ومن شروط القاعدة الاصولية ان تنتج احكاما كلية .

2- ومع التسليم بانتاجها احكاما كلية فان نتاجها للاحكام الكلية هو من باب التطبيق اي تطبيق الكلي على افراده ومصاديقه وليس من باب الاستنباط والتوسط ومن شروط القاعدة الاصولية هو ان الاحكام الكلية لا بد ان تكون مستفادة من باب التوسط والاستنباط وليس من باب التطبيق , وهذه الاحكام الكلية في القواعد الفقهية مستفادة من باب التطبيق وليس من باب الاستنباط والتوسط فلا تدخل في القواعد الاصولية .

تقريب:
ان لاقاعدة الفقهية عبارة عن جامع كجامع الانسان والاحكام الفقهية المستفادة منها افراد للجامع كافراد (زيد وعمر وبكر) لجامع الانسان فكما (زيد) هو فرد وتطبيق من افراد وتطبيقات الانسان لذلك نقول (زيد انسان ) (وعمر انسان ) فلا نحتاج الى مقدمة وسطى حتى نعرف بان زيد انسان فكذلك الحال للاحكام الشرعية فهي مصاديق للقاعدة الفقهية وكل حكم شرعي هو مصداق للقاعدة الفقهية او فرد من افراد القاعدة الفقهية او تطبيق من تطبيقاتها .
اما في القاعدة الاصولية يستفاد الحكم الشرعي بالتوسط والاستنباط اي يحتاج الى فكر وتوسط وعمل اضافي لا انه عبارة عن تطبيق وعلم بديهي وضروري .

ثم قال الخوئي (مع ان نتيجتها في الشبهات الموضوعية نتيجة شخصية ...) اي العنوان الشخصي الذي يقابل النوعي .
فالنتيجة في الشبهات الموضوعية هي نتيجة شخصية ومن هذه الناحيةتخرج القواعد الفقهية المختصة بالشبهات الموضوعية مباشرة لانها ليست باحكام كلية وليست لها موضوعات كلية اي نتيجتها ليست كلية ونوعية وانما نتيجة شخصية .

ويبقى الكلام مع الشبهات الحكمية التي تكون في موارد الاحكام النوعية او العامة .
وهذه معناه:
ان المراد بالحكم الشرعي (الذي جاء في التعريف) هو الجعل (جعل الحكم الشرعي على موضوعه الكلي)
 أ- فالقاعدة الاصولية : هي التي يستنتج منها (جعل) الحكم الشرعي على موضوعه الكلي فمثلاً :حجية خبر الثقة قاعدة اصولية يثبت بها ويستنتج ويستنبط منها عدة جعول:
1- جعل وجوب السورة (او الحكم الكلي لوجوب السورة )
2- وجعل حرمة العصير العنبي(او الحكم الكلي بحرمة العصير العنبي المغلي)
3- وجعل حرمة الربا (او الحكم الكلي لحرمة الربا) ...وغيرها من الاحكام (فحجية خبر الثقة ) ليست جعلاً كلياً لـ(لجعل وجوب السورة وجعل حرمة العصير العنبي ...) اي ان جعل وجوب السورة ليس من افراد ولا من تطبيقات حجية خبر الثقة .

ب- والقاعدة الفقهية : هي بنفسها عبارة عن جعل الحكم الشرعي على موضوعه الكلي ويستنتج من القاعدة الفقهية تطبيقاتها .
بمعنى اخر ان
القاعدة الاصولية (مثل خبر الثقة ) يستنتج منها جعل كلي (مثل حرمة الربا) وهذا الجعل يطبق على مصاديقه

الرد على السيد الخوئي من قبل السيد محمد باقر الصدر 

يرد على السيد الخوئي حلا ونقضا 
1- حلاً: ان التمييز بين لاقاعدة الفقهية بانها من باب التطبيق وليست من باب الاستنباط , وبين القاعدة الاصولية بانها ليست من باب التطبيق بل من باب الاستنباط والتوسيط ,
يؤدي الى 
ان العديد من المسائل والقواعد ترتبط اصوليتها بصياغة المسالة والقاعدة وبكيفية التعبير عنها مع العلم ان هذه المسالة او القاعدة ذات نكته وروح وحقيقة واحدة وهي تنتمي الى علم الاصول مثلا  فكيف بصياغة معينة تكون من مسائل الاصول وبصياغة اخرى لا تكون من مسائل علم الاصول .
مثلاً: مسالة (اقتضاء النهي عن العبادة لفسادها) او النهي عن العبادة يقتضي فساد العبادة او قاعدة اقتضاء النهي عن العبادة لفساد العبادة فهذه مسالة :
أ- تكون مسالة اصولية اذا طرحت بصيغة ( البحث عن الاقتضاء وعدم الاقتضاء ) لان البطلان حينئذ مستنبط عن الاقتضاء وليس البطلان من افراد ولا من تطبيقات الاقتضاء .

وبعبارة اخرى :
اذا كان البحث بالاقتضاء فعند البحث بالاقتضاء نقول هل يقتضي او لا يقتضي وبعد ان يثبت الاقتضاء نستفيد منه هذه العبادة باطلة اي حصلنا على بطلان العبادة من الاقتضاء او استنبطنا واستفدنا واثبتنا حكم البطلان من الاقتضاء لكن ما هي العلاقة بين ( يقتضي او لا يقتضي ) وبين ( بطلان العبادة) او النهي يقتضي الفساد والنهي لا يقتضي الفساد , فمع الاقتضاء نقول النهي يقتضي الفساد ونفرع عليه ان العبادة باطلة فما هي العلاقة بينهما هل هي على نحو الكلي والفرد او الكلية والتطبيق ؟
والجواب : ان القضية ليست كذلك وانما هي على نحو الاستنباط والتوسط اي بتوسط مسالة او قاعدة الاقتضاء يثبت عندنا بطلان العبادة والبطلان ليس من افراد ولا من تطبيقات الاقتضاء .

ب- ولا تكون مسالة اصولية اذا طرحت بصيغة البحث عن (ان العبادة المنهي عنها باطلة او لا ) لان ( بطلان كل عبادة محرمة ) حينئذ يكون تطبيقاً للمسالة (مسالة ان العبادة المنهي عنها باطلة او لا ) 
ومعنى ذلك ان :-
أ- كل عبادة منهي عنها باطلة 
ب- وهذه عبادة منهي عنها 
ج- النتيجة تكون هذه العبادة باطلة وهذا نظير مثال انسان ناطق وزيد انسان فالنتيجة زيد الانسان ناطق فكذلك في العبادة المنهي عنها باطلة وهذه الصلاة باطلة لانها منهي عنها ,
وهذا يعني ان بطلان كل عبادة يكون تطبيقا ويعتبر فردا من افراد (العبادة المنهي عنها الباطلة ) وليس (بطلان اي عبادة محرمة ) حينئذ مستنبط عن (العبادة المنهي عنها الباطلة ) بل هو من تطبيقاته ومن افراده والتالي باطل اي ان (ارتباط اصولية المسالة بصياغتها وكيفية التعبير عنها ) باطل لوضوح ان روح المسالة وحقيقتها وغايتها واحدة على كلتا الصياغتين .

2- نقضاً : ينقض على السيد الخوئي 
بعدم اختصاص القواعد الفقهية بالقواعد التطبيقية بل منها ما يستنبط به الحكم بنحو التوسيط لا التطبيق 
وحسب فرض الكلام ان السيد الخوئي يسلم بانها قواعد فقهية لكن يستفاد الحكم منها على نحو الاستنباط لا على نحو التطبيق اي توجد قواعد فقهية يستنبط منها الحكم الشرعي كالقاعدة الاصولية فهل تدخل هذه القواعد الفقهية في مسائل وقواعد الاصول ؟
مثلا: قاعدة الطهارة الجارية في الشبهات الحكمية اضافة للموضوعية وقاعدة ظهور الامر بالغسل في الارشاد كما لو امر المولى بغسل الثوب الذي سقط عليه البول مثلا فهذا الامر ظاهر في الارشاد الى نجاسة هذه المادة التي سقطت على الثوب او يرشد في مقامات اخرى مثلا الى عدم جواز الصلاة او عدم صحتها وهكذا .

المحاولة الثانية للسيد الخوئي :اضافة قيد ( بلا ضميمة قاعدة اصولية اخرى )
عرف السيد الخوئي علم الاصول :( هو العلم بالقواعد التي تقع بنفسها في طريق استنباط الاحكام الشرعية الالهية من دون حاجة الى ضميمة كبرى او صغرى اصولية اخرى اليها ) محاضرات ج1/ص8

ومن التعريف يتبين انه اضاف قيد ( ان تكون القاعدة وحدها كافية لاستنباط الحكم الشرعي الالهي بلا ضم قاعدة اصولية اخرى ) 
بدل ان يضيف قيد الكبروية اي ان القاعدة الاصولية تكون بمفردها ووحدها منتجة ولا نحتاج الى مقدمة اخرى للنتاج ولاستنباط الحكم الشرعي , بمعنى من المقدمة الاصولية وبصورة مباشرة يستنبط الحكم الشرعي دون الحاجة الى مقدمة اخرى سواء كانت المقدمة الاخرى صغرى او كبرى ,
وعلى هذا الاساس طرح الخوئي تعريفا لعلم الاصول وذكر بان علم الاصول هو العلم بالقواعد التي تقع بنفسها في طريق استنباط الاحكام الشرعية الكلية الالهية من دون حاجة الى ضميمة كبرى او صغرى اصولية اخرى اليها 
والنكته في اعتبار هذا القيد (من دون حاجة ...الخ ) هي لتخريج بعض المسائل التي من الممكن ان تدخل في علم الاصول بناء على تعريف المشهور .
وعليه يستنتج :
أ- خروج مسالة (ظهور كلمة الصعيد) من علم الاصول لاحتياجها الى ضم مسالة ( ظهور صيغة افعل في الوجوب ) اي مسالة ظهور كلمة الصعيد ( كما في تيمم صعيدا طيبا او تيمم وتطهر بالصعيد) لا يستنبط منها الحكم الشرعي ولا تنتج الا اذا اضفنا اليها مسالة ظهور صيغة افعل في الوجوب .
وعليه لا تكون مسالة ظهور كلمة الصعيد مسالة اصولية بناء على مبنى السيد الخوئي لانه من شروط المسالة الاصولية ان تكون كافية في الاستنباط دون حاجة الى ضم قاعدة اصولية اخرى ومسالة ظهور كلمة الصعيد تحتاج الى ضم مسالة وقاعدة اصولية اخرى وهي ظهور صيغة افعل .

ب- عدم خروج مسالة (ظهور صيغة افعل في الوجوب ) وان كانت محتاجة الى كبرى (مسالة حجية الظهور العرفي) لان هذه الكبرى ليست من المباحث والمسائل الاصولية للاتفاق عليها وعدم الخلاف فيها .

الرد على المحاولة الثانية للسيد الخوئي من قبل السيد محمد باقر الصدر 
اولاً: ان عدم احتياج القاعدة الاصولية الى قاعدة اصولية اخرى كبرى او صغرى :
1- ان اريد به عدم الاحتياج في كل الحالات اي دائما وابدا لا تحتاج الى مسالة اصولية اخرى فان هذا لا يتحقق في العديد من المسائل الاصولية (مثلا) مسالة ظهور صيغة الامر في الوجوب بحاجة في كثير من الاحيان الى دليل حجية السند حينما تجى الصيغة في دليل ظني السند .

 مثال : لو وردت رواية عن المعصوم عليه السلام قال ( صل او ادفع الزكاة او اد الخمس ) او غيرها من الاوامر والنواهي فاذا كانت الرواية ضعيفة السند فان ظهور صيغة الامر في هذه الرواية لا يكفي في الاثبات واستنباط الحكم لان الرواية ضعيفة السند واما اذا كانت الرواية خبر احاد ثقة وورد فيها امر فظهور صيغة الامر في الوجوب يثبت الوجوب اما انه كيف ثبت الوجوب وهذا خبر احاد وذلك لان خبر الاحاد حجة (منجز ومعذر) ولان مسالة حجية الاخبار هي مسالة اصولية .
اذن في هذه الحالة ظهور صيغة الامر في الوجوب احتاجت الى مسالة اصولية اخرى احتاجت الى مسالة حجية السند فهل تخرج مسالة ظهور صيغة الامر من المسائل الاصولية لانها احتاجت الى مسالة اصولية اخرى وهي مسالة حجية السند .

2- وان اريد به عدم الاحتياج ولو في حالة واحدة (بمعنى انه يكفي في دخول المسالة في علم الاصول انها لا تحتاج الى مسالة اصولية اخرى صغرى او كبرى ولو في حالة واحدة ) فهذا قد يتفق في غير القواعد الاصولية فيكون التعريف غير مانع .
(مثلا) مسالة ظهور (كلمة الصعيد) اذا كانت سائر جهات الدليل قطعية كما لو وردت في القران الكريم فانها لا تحتاج الى قاعدة اصولية اي لا تحتاج الى مسالة حجية السند بل تحتاج الى حجية ظهور كلمة الصعيد في الاستنباط بناء على ان دلالة صيغة الامر تدل على الوجوب بالنص لا بالظهور فاذا وردت مسالة غير اصولية ولها هذه الخصوصية فانه في مثل هذه الحالة نستطيع استنباط الحكم الشرعي منها دون الحاجة الى اي قاعدة اصولية اخرى لا صغرى ولا كبرى فهل تدخل امثال هذه المسالة في علم الاصول ؟

ثانياً: ان المسالة الاصولية لا تكتسب اصوليتها من الخلاف وعدم الاتفاق عليها وان المسالة لا تخرج عن كونها اصولية لمجرد عدم الخلاف فيها بل ان المسالة تبقى اصولية حتى لو اتفق عليها وحتى لو لم يوجد خلاف عليها .






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق