السبت، 8 أكتوبر 2016

العلم الاجمالي ( القطع الاجمالي )

كان الكلام في العلم او القطع التفصيلي وعرفنا ان القطع التفصيلي يكون منجزا وحجة هذه القضية مسلمة ,الان نتقل الى نوع اخر من القطع وهو العلم الاجمالي ولان العلم الاجمالي يعتبر من اقسام العلم او القطع فيكون البحث عن شؤونه واثاره وهو عبارة عن بحث عن شؤون واثار العلم والقطع فيكون البحث هنا ايضا في مرحلتين :

المرحلة الاولى: بلحاظ حرمة المخالفة القطعية
المرحلة الثانية : بلحاظ وجوب الموافقة القطعية او بلحاظ حرمة المخالفة الاحتمالية .

مثال : اعلم اجمالا بوجوب صلاة الظهر او الجمعة في يوم الجمعة :
في المرحلة الاولى حرمة المخالفة القطعية اذا تركنا الطرفين صلاة الجمعة وصلاة الظهر في المثال تحصل المخالفة القطعية فيحرم المخالفة القطعية اي يحرم ترك طرفي العلم الاجمالي .
المرحلة الثانية : حرمة المخالفة الاحتمالية اذا جاء المكلف باحد الطرفين جاء بصلاة الجمعة وترك الظهر او العكس , يحتمل انه قد خالف العلم الاجمالي لان العلم الاجمالي مردد بين الظهر او الجمعة ويحتمل ان يكون الحكم الواقعي هو الظهر والمكلف لم يات بالظهر بل بالجمعة فقط ,او يحتمل ان يكون الحكم الواقعي هو الجمعة والمكلف لم يات بالجمعة بل بالظهر اذن يوجد مخالفة احتمالية  لو تركت احد الطرفين لذلك يحرم ترك اي طرف من اطراف العلم الاجمالي .

اذن يجب على المكلف امتثال جميع اطراف العلم الاجمالي ,ولو ترك احد الطرفين فهي مخالفة احتمالية يعبر عنها حرمة المخالفة الاحتمالية او وجوب الموافقة القطعية ندخل في تفصيل ذلك


المرحلة الاولى :حرمة المخالفة القطعية :
اعلم اجمالا بوجوب صلاة الظهر او الجمعة فهل تحرم المخالفة القطعية ؟
هل يحرم ترك كلتا الصلاتين ؟
الكلام في امرين :
الامر الاول :اصل منجزية العلم الاجمالي .
هل العلم الاجمالي منجز وحجة في حرمة المخالفة القطعية ؟
نقول على جميع المباني والمسالك في العلم الاجمالي الكل يسلم بوجود علم تفصيلي بالجامع لان العلم الاجمالي هو عبارة عن جزئين علم واجمال وهذا يدخل في دائرة حق الطاعة ,اذن ذمة المكلف مشغولة بالجامع فاذا ترك الطرفين لم يات بصلاة الظهر ولم يات بصلاة الجمعة خالف الجامع خالف منجزية العلم والقطع بالجامع وبالدقة خالف العلم والقطع التفصيلي بالجامع .

الامر الثاني : امكان ردع او ترخيص الشارع وعدم امكان ذلك بلحاظ اطراف العلم الاجمالي او ان منجزية العلم الاجمالي بنحو الاقتضاء او العلية ؟.
هل يمكن للشارع ان يردع عن اطراف العلم الاجمالي او لا؟ فاذا بنينا على امكان الشارع الترخيص فالمنجزية بنحو الاقتضاء اي متوقفة على عدم الترخيص واذا بنينا في الامر الثاني على عدم امكان الترخيص واستحالة الترخيص فالمنجزية تكون على نحو العلية .

راي المشهور :
بنى المشهور على ان المنجزية بنحو العلية اي ان الشارع لا يمكن ان يردع او يرخص في العلم الاجمالي .

دليل المشهور :
قال المشهور ان الترخيص الشرعي في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي اي في مخالفة جميع الاطارف غير معقول وذلك لان المخالفة القطعية معصية قبيحة بحكم العقل ,فالترخيص في المخالفة هو ترخيص في المعصية والمعصية قبيحة اذن الترخيص في المخالفة ترخيص في القبيح والترخيص في القبيح قبيحا والقبيح يستحيل صدوره من المولى اذن يستحيل الترخيص من المولى .

يرد على المشهور :
ان حكم العقل بوجوب الامتثال وقبح المعصية واستحالة صدور المعصية من المولى مرده الى حكم العقل بحق الطاعة للمولى ومولوية المولى ,وحكم العقل بالمولوية وحق الطاعة -بلحاظ عالم الثبوت عالم الامكان كما تقدم - معلق على عدم ورود ترخيص جاد من المولى ,فاذا قطعنا بالترخيص الجاد انتفى الشرط (عدم ورود الترخيص ) واذا انتفى الشرط انتفى المشروط وهو حكم العقل بحق الطاعة ومولوية المولى الذي هو موضوع الحكم العقلي اذن ينتفي الحكم العقلي بوجوب الامتثال وقبح المعصية واستحالة صدور المعصية فلا مورد للمولوية وحق الطاعة فلا تكون المخالفة القطعية قبيحة عقلاً .

سؤال :
يتفرع عن الرد على المشهور اننا يجب ان نبحث في انه :
هل يعقل ورود الترخيص الجاد على نحو يلائم مع ثبوت الاحكام الواقعية ؟
بمعنى اذا ثبت وقطعنا بالحكم الواقعي هل يعقل ان يصدر من المولى الترخيص الجاد ؟
الجواب : والجواب يكون بلحاظين لحاظ عالم الثبوت وعالم الاثبات :

1-عالم الثبوت :
وهو ما اشرنا اليه خلال الرد على المشهور من انه يعقل ورود ترخيص جاد على نحو يلائم مع ثبوت الاحكام الواقعية .
بيان :
لدينا حكم واقعي الزامي وترخيص اذن يوجد تزاحم ملاكات فاذا افترضنا ان الملاكات الاقتضائية للاباحة بدرجة من الاهمية وكان ضمان الحفاظ عليها يستدعي الترخيص حتى الترخيص في المخالفة القطعية فان من المعقول ان يصدر من المولى هذا الترخيص .
اعلم اجمالاً بوجوب صلاة الجمعة او صلاة الظهر اذن واقعا اما صلاة الجمعة هي الواجبة اذن ترك صلاة الظهر من المباحات , او صلاة الظهر هي الواجبة فيكون ترك صلاة الجمعة من المباحات فملاكات الوجوب للجمعة وللظهر يقابلها ملاكات الاباحة للجمعة وللظهر , فاذا كانت ملاكات الاباحة درجة الاهمية فيها اعلى واكبر من الملاكات الالزامية هنا يعقل من المولى من اجل ضمان الحفاظ على الملاكات الاهم ان يقدم ملاكات الاباحة فيرخص في جميع الاطراف وطبعا بالعكس اذا كان الالزام هو الاهم سيلزم بجميع الاطراف .
المتحصل :
انه من المعقول ان يصدر من المولى ترخيص في جميع الاطراف العلم الاجمالي ويكون الترخيص ترخيصا ظاهريا بروحه وجوهره لانه ليس حكما حقيقيا ناشئا من مبادى في متعلقه بل هو خطاب طريقي من اجل ضمان الحفاظ على الملاكات الاقتضائية للاباحة الواقعية .

ان قلت :
ان العلم الاجمالي يعتبر علما تفصيليا بالجماع واذا كان علما تفصيليا فان الترخيص الطريقي في مخالفة التكليف المعلوم جامعه تفصيلا مستحيل وذلك لان الجميع يسلم باستحالة الترخيص الطريقي في مخالفة التكليف المعلوم تفصيلا وهذا يعني انه لا فرق بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي من هذه الناحية .

قلت :
أ-العالم بالتكليف بالعلم التفصيلي يقطع بعدم وجود ملاكات اقتضائية للاباحة لانه يقطع بالتكليف الالزامي وهذا يعني انه يرى ان التزامه علمه وقطعه لا يكون مفوتا للملاكات الاقتضائية للاباحة لانه يقطع بعدم هذه الملاكات وفي هذه الحالة اذا صدر ترخيص من المولى فان القاطع يرى عدم توجه الترخيص اليه بصورة جدية .

ب- اما العالم بالتكليف بالعلم الاجمالي فهو يرى ان حرمة المخالفة القطعية عليه الزامه بترك المخالفة القطعية , اي الزامه بامتثال طرف واحد على الاقل من اطارف العلم الاجمالي ويستلزم الزامه بفعل المباح اي يكون الفعل المباح واجبا والزاماً عليه .
فالمكلف الزم من قبل المولى باختيار احد الطرفين اما هذا او هذا فليس امامه الا ان يختار احد الاطراف فاذا اختار الجمعة وكان الالزام الواقعي الظهر فالجمعة مباحة فهو اختار هذا الطرف الجمعة في المثال وصار الزاما عليه بالرغم من اباحته الاصلية اذن فعل مباح صار الالزاما بالاحتياط او بهذا الحكم العقلي بحرمة المخالفة القطعية .
وهذا يعني ان المكلف العالم بالعلم الاجمالي يرى احتمالية وجود ملاكات اقتضائية للاباحة وهذا يعني انه يرى احتمال وجود اختلاط وتزاحم بين الملاكات الالزامية وبين الملاكات الترخيصية وفي مثل هذه الحالة يعقل ويتصور ويتقبل توجه ترخيص جاد اليه في كلا الطرفين او بكل الاطراف للعلم الاجمالي اذا كان غرض المولى ضمان الحفاظ على الملاكات الاقتضائية للاباحة في موارد الاختلاط والتزاحم بين الملاكات .

2- عالم الاثبات
بعد تبين ثبوتا وعقلا امكان فرض ورود ترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي يبقى السؤال الاثباتي والوقوعي في انه :
هل يمكن اثباتا وعقلائيا ورود ترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي ؟
وبعبارة اخرى : هل ورد ترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي ؟
او يقال : هل يمكن التمسك باطلاق الادلة الاصولية لاثبات ورود الترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي ؟
الجواب :
يكون بالنفي فلا يمكن ذلك اثباتا وعقلائيا ولم يرد ترخيص للمخالفة القطعية للعلم الاجمالي ولا يمكن التمسك باطلاق ادلة الاصول لاثبات ورود الترخيص وبيان ذلك في مقدمات :
المقدمة الاولى : ان الارتكاز العقلائي منعقد دائما او غالبا على عدم بلوغ الاغراض والملاكات الترخيصية الى درجة اكبر واهم او مساوية من الاغراض والملاكات الالزامية سواء كانت الاغراض والملاكات الالزامية معلومة بالعلم التفصيلي ام كانت معلومة بالعلم الاجمالي .
اي ان الارتكاز العقلائي منعقد على ان الاغراض والملاكات الالزامية المعلومة تفصيلا او المعلومة اجمالاً تكون دائما او غالبا اهم من الاغراض والملاكات الترخيصية .

المقدمة الثانية : وهذا الارتكاز العقلائي يصلح ان يكون قرينة لبية متصلة نقيد بها اطلاق ادلة الاصول الترخيصية .

المقدمة الثالثة : وهذا يعني ان اطلاق ادلة الاصول الترخيصية يقيد في موارد الشك فاطلاق ادلة الاصول لا يشمل موارد العلم التفصيلي ولا موارد العلم الاجمالي .
النتيجة : وعليه لا يمكن جريان ادلة الاصول الترخيصية في جميع اطراف العلم الاجمالي ,وهذا يعني انه لا يمكن اثباتا وعقلائيا ان يرد من المولى ترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي .

المتحصل:
انه بالرغم من امكان ومعقولية ورود الترخيص من المولى في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي في عالم الثبوت فانه يستحيل ذلك في عالم الاثبات اي ان منجزية العلم الاجمالي يعقل ويمكن فرض ورود ترخيص او ردع عنها ثبوتا لكنه لا يمكن ويتسحيل ورود ترخيص وردع عنها اثباتا .
اذن منجزية العلم الاجمالي تكون بنحو العلية لانه لا يمكن فرض ورود الترخيص او الردع عنها عقلائيا واثباتا بالرغم من امكان ذلك عقلا وثبوتا .

المرحلة الثانية : وجوب الموافقة القطعية
انتهى الكلام في المرحلة الاولى حرمة المخالفة القطعية ,ويبقى الكلام في المرحلة الثانية وسياتي في مباحث الاصول العملية حسب ما ذكره السيد الشهيد محمد باقر الصدر في المتن .




تفصيل وتعميق البحث في العلم الاجمالي وفي منجزية العلم الاجمالي

العلم الاجمالي :
وكما ذكرنا سابقا ان البحث في موضعين :

الموضوع الاول : في مباحث القطع
العلم او القطع الاجمالي يعتبر من اقسام العلم من اقسام القطع فيكون البحث عن شؤونه واثاره عبارة عن بحث عن شؤون القطع واثاره وعليه يكون البحث هنا في امرين :

الامر الاول : البحث عن اصل منجزية العلم الاجمالي .
ويكون بلحاظين هما :
أ- بلحاظ حرمة المخالفة القطعية
ب- بلحاظ وجوب الموافقة القطعية او حرمة المخالفة الاحتمالية .

الامر الثاني : بعد ثبوت المنجزية يبحث عن كون المنجزية هل هي :
أ- بنحو الاقتضاء :اي تنجيز العلم الاجمالي معلق على عدم ورود ترخيص شرعي
ب- او بنحو العلية: فيستحيل الترخيص بخلاف العلم الاجمالي او بخلاف الحكم المعلوم اجمالاً .

الموضع الثاني : في مباحث الاصول العملية :
قلنا
أ- اذا كان المبنى والمختار عليه العلم الاجمالي للتنجيز بلحاظ حرمة المخالفة  ووجوب الموافقة لا يبقى مجال للبحث عن العلم الاجمالي في موارد ومباحث الاصول العملية نعم تذكر بعض الامور والمباحث المتعلقة بالعلم الاجمالي تحت عنوان تطبيقات او تنبيهات .

ب- اذا كان المبنى والمختار اقتضائية العلم الاجمالي للتنجيز ولو بلحاظ احد الحكمين كلحاظ وجوب الموافقة .
فانه ينفتح باب البحث عن العلم الاجمالي في مباحث الاصول العملية فيكون البحث حول شمول ادلة الاصول العملية لموارد الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي وذكرنا بعض الكلام سابقا ولا باس به .

منجزية العلم الاجمالي
---------------------
الكلام في مرحلتين
المرحلة الاولى : المنجزية بلحاظ المخالفة القطعية
المرحلة الثانية : المنجزية بلحاظ وجوب المخالفة الاحتمالية او الموافقة القطعية
ندخل في المرحلة الاولى :
المرحلة الاولى : المنجزية بلحاظ حرمة المخالفة القطعية .
الكلام في المرحلة الاولى سيكون في بحثين :
البحث الاول : البحث عن اصل المنجزية
البحث الثاني : البحث عن ان المنجزية بنحو العلية او بنحو الاقتضاء .


البحث الاول :البحث عن اصل المنجزية
هل ان العلم الاجمالي ينجز حرمة مخالفة جميع اطراف العلم الاجمالي؟ والبحث عن اصل منجزية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية يكون في نقطتين :

النقطة الاولى : بناءا على المبنى المختار من الاحتياط العقلي .
على اساس مسلك حق الطاعة فانه يكون احتمال التكليف منجزا كما سبق الكلام فبالاولى يكون العلم الاجمالي منجزا للتكليف فعلى مسلك حق الطاعة يكون العلم الاجمالي منجزا لحرمة المخالفة القطعية .

النقطة الثانية : بناءا على مبنى المشهور من البراءة العقلية على اساس مسلك قبح العقاب بلا بيان فانه يبحث عن العلم الاجمالي هل يصلح ان يكون بيانا ام لا؟

وعلى اي مبنى اوتفسير من المباني او التفسيرات للعلم الاجمالي فان البيان تام بلحاظ المخالفة القطعية للعلم الاجمالي اي بلحاظ المخالفة القطعية لجميع اطراف العلم الاجمالي لوجود البيان والعلم بالجامع .
او يقال وذلك لوجود البيان والعلم بالجامع حسب التفسير الاول او لوجود البيان والعلم بالواقع المعلوم حسب التفسير الثاني او لوجود البيان والعلم بالفرد المردد حسب التفسير الثالث .

المبحث  الثاني : المنجزية بنحو العلية او الاقتضاء .
بعد ان ثبتت المنجزية ياتي الكلام في ان منجزية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية هل تكون بنحو العلية او بنحو الاقتضاء ؟ وهنا قولان :
1- قول المشهور :منجزية حرمة المخالفة القطعية تكون بنحو العلية .
2- قول المحقق الخراساني :منجزية حرمة المخالفة تكون بنحو الاقتضاء


ادلة المشهور على العلية
----------------------
قال المشهور ان منجزية حرمة المخالفة القطعية بنحو العلية يقصد بها استحالة الترخيص على الشرعي الخلاف اي على خلاف التكليف المعلوم اجمالاً اي ان المنجزية غير معلقة على عدم ورود الترخيص .
وقد ذكر المشهور عدة براهين لاثبات العلية واثبات امتناع واستحالة ورود الترخيص في تمام اطراف العلم الاجمالي منها :

البرهان الاول :مدرسة المحقق النائيني
قالوا :ان العلم الاجمالي او منجزية العلم الاجمالي علة لحرمة المخالفة القطعية وانه يمتنع ويستحيل جعل الترخيص الشرعي الظاهري في تمام اطرافه وذلك:
لان في المخالفة القطعية عصيانا قطعيا للمولى وهو قبيح فيكون الترخيص فيه قبيحاً ويمتنع ويستحيل صدور القبيح من الشارع .

الرد على البرهان الاول :
ان برهان مدرسة المحقق النائيني يعتمد على :
أ- تحقق وصدق عنوان العصيان اي عصيان قطعي للمولى
ب- وتحقق وصدق عنوان العصيان يعتمد ويتفرع على ثبوت وصدق الحكم بحرمة المخالفة القطعية .
ج- وثبوت حرمة المخالفة القطعية يعتمد ويتفرع على ثبوت منجزية العلم الاجمالي وعلى نحو العلية , لانه لو لم تثبت المنجزية اصلا او لو لم تثبت العلية بل ثبتت الاقتضائية فانه يجوز ويمكن للمولى جعل الحكم الترخيصي المخالف في جميع اطراف العلم الاجمالي لان المنجزية اقتضائية فهي معلقة على عدم ورود الترخيص وهنا ورد الترخيص وعليه لا تثبت منجزية العلم الاجمالي
وهذا فيه مصادرة لان اصل الكلام هو في اثبات ان منجزية العلم الاجمالي هي على نحو العلية اي تنجيزية لا تعليقية .
انما السيد محمد باقر الصدر كأنه يريد الاشارة الى ان ما ذكر من مدرسة النائيني ليس برهان بل هو منبه الى حكم العقل بمنجزية العلم الاجمالي بنحو العلية والتنجيزية , لا بنحو الاقتضائية والتعليقية فتحرم المخالفة القطعية .

حيث ذكر السيد محمد باقر الصدر في مباحث الحجج والاصول العملية / ج1/مبحث القطع/ منجزية العلم الاجمالي ص152:
[ذهبت مدرسة المحقق النائيني (قدس سره) الى علية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية وامتناع جعل الترخيص الشرعي الظاهري في تمام اطرافه لان في المخالفة القطعية عصياناً قطعيا للمولى وهو قبيح فيكون الترخيص فيه قبيحا ممتنعا على الشارع ]
وفي نفس الصفحة وفي معرض رده على مدرسة النائيني قال :
[وهذا الكلام لا بد وان يستبطن دعوى ان حكم العقل بحرمة المخالفة القطعية حكم تنجيزي لا تعليقي والا كان الترخيص الشرعي رافعا لموضوع العصيان والقبح .واثبات التنجيزية في الحكم العقلي لابد وان يكون على اساس افتراض خصوصية فيه تمنع عن امكان رفعه من قبل الشارع بالترخيص .....].
مع الاحتفاظ ببعض النقاش على كلام السيد محمد باقر الصدر ياتي في المراحل القادمة ان شاء الله تعالى .

البرهان الثاني : لصاحب الكفاية الخراساني (قدس سره)
----------------------------------------------------
اشار صاحب الكفاية الى ان التكليف الواقعي سواء كان مشكوكا او معلوما بالاجمال او معلوما بالتفصيل فيه فرضان :

الفرض الاول :
اذا كان التكليف فعليا من جميع الجهات فانه يتسحيل الترخيص على خلافه وذلك لان الترخيص يستلزم التضاد والتضاد مستحيل سواء كان التضاد من القطع باجتماع المتضادين ام كان من الاحتمال باجتماع المتضادين اي على احد المحتملات .

الفرض الثاني:
اذا لم يكن التكليف فعلي من جميع الجهات فانه يمكن الترخيص على خلافه وذلك لان جعل الترخيص لا يستلزم التضاد يكون بين الاحكام بلحاظ مرحلة فعليتها وفي هذا الفرض فان التكليف الواقعي غير فعلي فهو مجرد حكم انشائي وليس بفعلي .

الرد على البرهان الثاني :
1- التكليف الواقعي الفعلي الذي  يقصده صاحب الكفاية :
   أ- ان اريد به الارادة والحب والبغض والمصلحة والمفسدة بقطع النظر عن التزاحم الحفظي .
    ب- وكذلك ان اريد به الامر والاعتبار والاهتمام بقطع النظر عن التزاحم الحفظي فالحكم الواقعي فعلي في موارد الشك ويشمل موارد الشك البدوي والعلم الاجمالي ومع فعليته فانه يعقل  ويمكن جعل حكم ظاهري على خلافه من دون لزوم التضاد لا قطعا ولا احتمالاً .
وذلك لان ملاك الحكم الظاهري هو التزاحم الحفظي والحفاظ على ما هو الاهم من الملاكات بلحاظ اختلاطها وتزاحمها اي بلحاظ مرحلة التزاحم الحفظي وهذا لا يستدعي ولا يستلزم التضاد بلحاظ المبادى لان مبادى الحكم الظاهري هي نفس مبادى الحكم الواقعي في نفس المورد.

2- التكليف الواقعي الفعلي ان اريد به ما بعد مرحلة الارادة والحب والبغض والمصلحة والمفسدة والامر والاعتبار والاهتمام اي التكليف بلحاظ التزاحم الحفظي فان التكليف الواقعي المشكوك ليس بفعلي في موارد في موارد  الاحكام الظاهرية .

تنبيه :
ان الجواب المذكور يتم في موارد الشك ويشمل موارد العلم الاجمالي لاننا يمكن ان نتصور التزاحم الحفظي في هذه الموارد اما في موارد العلم التفصيلي فلا يمكن ان نتصور فيها التزاحم الحفظي وعليه فالجواب لا يتم في موارد العلم التفصيلي واصل الكلام هو في العلم الاجمالي وكذلك برهان الخراساني .


البرهان الثالث : للمحقق العراقي
لاثبات ان العلم الاجمالي علة في منجزية حرمة المخالفة القطعية وانه يستحيل الترخيص الشرعي على خلاف العلم  الاجمالي فقد ذكر المحقق العراقي برهانا مفاده :
ان العلم الاجمالي والعلم التفصيلي لا فرق بينهما في المنجزية وذلك :
لانه في العلم الاجمالي فان الاجمال يكون في خصوصيات لا دخل لها في موضوع حكم العقل بالمنجزية ووجوب الامتثال , لان موضوع حكم العقل بالمنجزية ووجوب الامتثال هو الامر او النهي الصادرين من المولى ,وفي العلم الاجمالي اعلم بصدور تكليف او الزام من المولى .
مثلا العلم الاجمالي بوجوب صلاة الجمعة او صلاة الظهر فان موضوع حكم العقل بوجوب الامتثال او حكم العقل بالمنجزية هوالامر او الوجوب اما خصوصية كون الامر او الوجوب متعلقا بصلاة الظهر او صلاة الجمعة فلا دخل لها في المنجزية وحكم العقل والا لو كان للخصوصيتين دخل اي انه يستلزم ان يكون وجوب صلاة الجمعة منجزاً لكونه وجوبا لصلاة الجمعة بالخصوص وكذلك وجوب صلاة الظهر يكون منجزا لكونه وجوبا لصلاة الظهر بالخصوص وهذا باطل , اذن المنجزية هو اصل الالزام الامر او الوجوب وهذا معلوم تفصيلا ولا اجمال فيه .

الرد على مبنى المحقق العراقي :
ان عدم الفرق بين العلم الاجمالي والعلم التفصيلي في المنجزية وفي اصل الالزام هذا تام .
كذلك عدم الفرق بين العلم الاجمالي والعلم التفصيلي في حكم العقل بحرمة المخالفة القطعية فهوتام ايضا .
لكن يوجد فرق بينهما من حيث التعليق والاشتراط :
أ- فحكم العقل بحرمة المخالفة القطعية في العلم التفصيلي معلق على عدم ورود ترخيص من الشارع والمعلق عليه في العلم التفصيلي ضروري الثبوت اي عدم ورود ترخيص من الشارع ضروري الثبوت وذلك لاستحالة الترخيص في موارد العلم التفصيلي اي لاستحالة الترخيص في موارد القطع كما ذكرنا سابقا .

ب- وحكم العقل برحمة المخالفة القطعية في العلم الاجمالي معلق على عدم ورود الترخيص من الشارع والمعلق عليه في العلم الاجمالي ليس ضروري الثبوت اي عدم ورود ترخيص من الشارع ليس ضروريا فهوممكن .
وذلك لامكان الترخيص وعدم الاستحالة في موارد العلم الاجمالي لاننا نعقل ويمكن ان نتصور التزاحم الحفظي في موارد العلم الاجمالي .

المتحصل :
أ- بحسب عالم الثبوت
فان المنجزية بنحو الاقتضاء وليست بنحو العلية فالعلم الاجمالي ليس علة لحرمة المخالفة القطعية وعليه يمكن الترخيص في تمام اطراف العلم الاجمالي .

ب- بحسب عالم الاثبات :
فان المنجزية بنحو العلية اي ان العلم الاجمالي علة لحرمة المخالفة القطعية فالعلم الاجمالي منجزيته غير معلقة ولا يمكن ان تعلق على عدم ورود الترخيص فعدم ورود الترخيص ضروري الثبوت او التحقق فلا يمكن ان يكون شرطا او معلقا عليه .
وذلك لانه يستحيل اثباتا وعقلائيا ولا يمكن ورود الترخيص في تمام اطراف العلم الاجمالي .

النتيجة :
المختار هو المنجزية بنحو العلية لان ورود الترخيص او الردع عنها غير ممكن ومستحيل عقلائيا واثباتا بالرغم من امكان الترخيص في الردع عقلا وثبوتا .

المرحلة الثانية : وجوب الموافقة القطعية او حرمة المخالفة الاحتمالية
الكلام يكون في بحثين :
البحث الاول : البحث عن اصل المنجزية
البحث الثاني : البحث عن المنجزية بنحو العلية او الاقتضاء

البحث الاول : اصل المنجزية
قال المشهور ان العلم الاجمالي ينجز وجوب الموافقة القطعية اي ان العلم الاجمالي ينجز حرمة المخالفة الاحتمالية ولهم ثلاثة مسالك في التنجيز :
المسلك الاول : يكون منجزا بنفسه وبالمباشر
المسلك الثاني : يكون التنجيز بعد تساقط الاصول
المسلك الثالث: التفصيل بين الموارد

المسلك الاول : يكون منجزاً بنفسه وبالمباشر .
العلم الاجمالي بنفسه ومباشرة يكون منجزا لوجوب الموافقة القطعية
المسلك الثاني : يكون التنجيز بعد تساقط الاصول
وبيان ذلك :
 اولاً: ان العلم الاجمالي يوجب تساقط الاصول العملية الترخيصية في الاطراف اي يمنع او يسقط الترخيص في الطرف الاول ويمنع او يسقط الترخيص في الطرف الثاني ويمنع او يسقط الترخيص في الطرف الثالث وهكذا في جميع اطراف العلم الاجمالي يمنع الترخيص .

ثانياً: ثم ان تساقط الاصول يقتضي المنجزية ووجوب الموافقة وليس العلم الاجمالي اي ان دور العلم الاجمالي ينتهي بتساقط الاصول وهنا شقان :
أ- ان العلم الاجمالي لا يكون منجزا بالمباشرة بل يكون منجزا بعد تساقط الاصول فهو منجز بنفسه لكن لا بالمباشرة
ب- او يقال : ان العلم الاجمالي لا يكون منجزا بالمباشرة لانه تخلله تساقط الاصول العملية وكذلك لا يكون منجزا بنفسه حتى بعد تساقط الاصول لان التنجيز ناشيء عن تساقط الاصول ومن مقتضيات تساقط الاصول .
اي ان العلم الاجمالي يوجب تساقط الاصول فقط وتساقط الاصول هو الذي يقتضي التنجيز فهو اي العلم الاجمالي منجز لا بنفسه ولا بالمباشرة .

المسلك الثالث : التفصيل بين الموارد وهو المختار وفي هذا المسلك يوجد :
الاو : على مبنى حق الطاعة او مبنى الاحتياط العقلي
فان الاحتمال يكون منجزا فبالاولى يكون العلم الاجمالي منجزا ايضا لان كل طرف من اطراف العلم الاجمالي يحتمل ان يكون هو مورد التكليف وبه تعلق التكليف اذن هو محتمل فتتنجز وتجب جميع الاطراف اذن تجب الموافقة القطعية اي يجب امتثال جميع الاطراف .

ثانيا: على مبنى قاعدة قبح العقاب بلا بيان البراءة العقلية
يكون التفصيل :
أ- بعض الموارد يحكم فيها بمنجزية العلم الاجمالي مباشرة بنفسه وبالمباشرة ينجز العلم الاجمالي
ب- والبعض الاخر يحكم فيها بعدم منجزية العلم الاجمالي اصلا
وللتحقيق والتدقيق وبيان المسلك التام واختياره لا بد من البحث اولا عن حقيقة العلم الاجمالي وتفسير تعلقه بالمتعلق .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق