الأحد، 31 يوليو 2016

الحكم الظاهري وبراهين استحالة جعله

بعد ان عرفنا معنى الحكم الظاهري يقع الكلام في انه هل ان الحكم الظاهري ممكن او لا ؟
واذا ثبت الامكان بعد ذلك نتحدث في الوقوع والتحقق , واما اذا ثبت استحالة جعل الحكم الظاهري فلا نتحدث في وقوعه , لانه اذا كان مستحيلاً لا يمكن الحديث عن امكانه فضلا عن وقوعه وعن تحققه .
وفي المقام ذكرت عدة براهين لاثبات استحالة جعل الحكم الظاهري عقلا , ومن البراهين نذكر ثلاثة:

البرهان الاول : برهان التضاد
قيل ان جعل الحكم الظاهري يؤدي الى اجتماع الضدين او المثلين وكما بينا سابقا يستحيل اجتماع التضاد ويستحيل اجتماع المثلين فيستحيل جعل الحكم الظاهري لان جعله يؤدي الى اجتماع الضدين او المثلين .

البرهان الثاني :برهان نقض الغرض
قيل : اذا خالف الحكم الظاهري الحكم الواقعي فانه يؤدي الى نقض المولى لغرضه الواقعي لانه يسمح للمكلف بتفويت الغرض الواقعي عندما يعتمد الحكم الظاهري باعتبار ان المولى هو الذي جعل الحكم الظاهري وهو الذي جعل الحكم الواقعي , والحكم الواقعي له غرض ومبادىء فعندما جعل الحكم الواقعي فانه يوجد غر وراءه والمولى اراد تحقيق ذلك الغرض .
وبجعل الحكم الظاهري , وبناء على مخالفة الحكم الظاهري للحكم الواقعي كما لو كان الحكم الواقعي هو الوجوب والحكم الظاهري هو الحرمة فانه :
1- الحكم  الواقعي الذي جعله المولى يشير الى الوجوب وهو الاتيان بالفعل .
2- الحكم الظاهري الذي جعله المولى يشير الى الحرمة اي الزجر النهي عن الفعل .
وعليه يستحيل جعل الحكم الظاهري لانه مع جعل الحكم الظاهري يؤدي الى تفويت او نقض الغرض الواقعي من قبل المولى وتفويت او نقض الغرض قبيح ويستحيل صدوره من المولى .

البرهان الثالث : عدم تنجز الواقع المشكوك
قيل: ان الحكم الواقعي المشكوك  لا يتنجز بل يبقى مشكوكا حتى لو قام الحكم الظاهري (الامارة او الاصل) المثبت للتكليف .
وما دام الشك باقيا فانه يشمله حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فيمكنه ويجوز له المخالفة .
وبتعبير اخر : ان موضوع الحكم الظاهري هو الشك في الحكم الواقعي وبعد ان عرفنا الحكم الظاهري ( الامارة او الاصل ) اي بعد ان قامت الامارة او الاصل العملي فهل ان معرفة الحكم الواقعي تتحقق بمعرفة الحكم الظاهري ؟
او هل ان العلم بالحكم الظاهري يؤسس وينشىء ويحقق العلم بالحكم الواقعي ؟
الجواب :
ان الكل متفق على ان الشك بالحكم الواقعي لا يتحول الى العلم بالحكم الواقعي بل يبقى الشك على ما هو عليه , لانه لو انتفى الشك وتحول الى العلم لانتفى موضوع الحكم الظاهري اصلا ,لان موضوع الحكم الظاهري هو الشك في الحكم الواقعي , بل يبقى الشك بالحكم الواقعي بلا بيان لانه لا يعلم به ولا يقطع به , والقاعدة العقلية المدركة بالعقل تشير الى قبح العقاب بلا بيان وبما ان الحكم الواقعي في المقام بلا بيان فاذا تركت الحكم الواقعي ولم امتثل فلا عقوبة علي لان المولى لو عاقبني فقد صدر منه القبح وصدور القبح من المولى مستحيل لان القاعدة العقلية تشير الى قبح العقاب بلا بيان ,

ابطال البرهان الاول (ابطال التضاد)
اجيب على البرهان الاول بعدة وجوه منها :
الوجه الاول :المحقق النائيني (الطريقية لا الحكم المماثل )
والكلام في نقطتين :
النقطة الاولى :مسلك جعل الحكم المماثل
النقطة الثانية : مسلك جعل الطريقية
النقطة الاولى : مسلك جعل الحكم المماثل
ان اشكال التضاد نشأ من افتراض مسلك (جعل الحكم المماثل) ويقصد بمسلك (جعل الحكم المماثل) ان الحكم الظاهري هو جعل الحكم التكليفي المماثل .
فحجية خبر الثقة (مثلا) معناها جعل حكم تكليفي يطابق ما اخبر عنه الثقة من احكام
أ- فاذا اخبر الثقة بوجوب شيء وكان حراما في الواقع فان حجية خبر الثقة تعني جعل وجوب ظاهري لذلك الشيء وفقا لما اخبر به الثقة وعلى هذا يلزم اجتماع الضدين وهما الوجوب الظاهري والحرمة الواقعية .

ب-واذا اخبر الثقة بحرمة شيء وكان حراما في الواقع فان هذا يلزم اجتماع المثلين وهو مستحيل.

النقطة الثانية :مسلك جعل الطريقية
لكن :الافتراض المذكور في النقطة الاولى غير تام اي ان المسلك ليس مسلك جعل الحكم المماثل بل ان المسلك هو جعل الطريقية .
ويقصد بمسلك (جعل الطريقية ) ان الحكم الظاهري معناه جعل الدليل (الامارة كخبر الواحد ) طريقا وعلما وكاشفا تاما عن مؤداه بالاعتبار والادعاء والجعل وليس حقيقة , والعلم منجز سواء كان علما حقيقة كالقطع ام كان علما بالاعتبار وحكم الشارع كالامارة ,فيكون الدليل (الاامارة )منجزا للاحكام .
وعليه يقال : ان لا يوجد حكم تكليفي ظاهري زائداً على الحكم التكليفي الواقعي وهذا يعني انه لا يوجد حكمان بل يوجد حكم تكليفي واحد وهو الحكم التكليفي الواقعي فلا يتصور التضاد فيبطل البرهان الاول (برهان التضاد ) .

اشكال على مسلك الطريقية :
ان التضاد بين الحكمين التكليفين ليس بلحاظ اعتباريهما اي ليس بلحاظ العنصر الثالث او الصياغة بل بلحاظ مبادى الحكم (الملاك والارادة)
وعله : لا يندفع التضاد بمجرد تغيير الاعتبار والصياغة في الحكم الظاهري من اعتبار الحكم التكليفي الى اعتبار العلمية والطريقية , واما كلام الشيخ النائيني كان بلحاظ العنصر الثالث وهو الاعتبار وهو عنصر اعتباري وسواء اعتبر هذا الشيء او لم يعتبر فانه لا تاثير له لانه حتى لو الغي العنصر الثالث تماماً فلا تاثير له على الحكم وعلى روح الحكم اي انه ليس من ماهية الحكم
وهنا نقول هذه مبادى للحكم الظاهري وتلك مبادى للحكم الواقعي فهل يحصل التنافر بين المبادى حتى نقول يوجد تضاد وتنافي بين الاحكام بغض النظر عن اسم وتسميات الاحكام .
وبناء على لحاظ مبادى الحكم يقال :
أ- ان قيل: ان الحكم الظاهري ناشيء من مصلحة ملزمة وشوق من المولى وحب وارادة للفعل الذي تعلق به ذلك الحكم فانه :
اولاً: يحصل التنافي والتضاد بين الحكم الظاهري وبين الحكم الواقعي مهما كانت الصيغة الاعتبارية لجعل الحكم الظاهري اي سواء كانت الصيغة الاعتبارية اعتبار الحكم التكليفي ام كانت اعتبار العلمية والطريقية .

ثانياً: يحصل اجتماع المثلين بين الحكم الظاهري وبين الحكم الواقعي مهما كانت الصيغة الاعتبارية لجعل الحكم الظاهري اي سواء كانت الصيغة الاعتبارية اعتبار الحكم التكليفي ام كانت اعتبار العلمية والطريقية .
ومرجع هذا التنافي والتضاد واجتماع المثلين الى روح ومبادى الحكم وقد تقدم ان اجتماع الضدين او اجتماع المثلين مستحيل .

ب- ان قيل ان الحكم الظاهري لم ينشا من مصلحة ملزمة ولا شوق ولا حب ولا ارادة للفعل ولا حتى بافتراض قيام المبادى بنفس جعل الحكم الظاهري ,
فانه لا يحصل التنافي والتضاد بين الحكم الظاهري وبين الحكم الواقعي مهما كانت الصيغة الاعتبارية لجعل الحكم الظاهري اي سواء كانت الصيغة الاعتبارية اعتبار الحكم التكليفي ام كانت اعتبار العلمية والطريقية .

نجيب المحقق النائيني بأن الكلام بلحاظ المبادى (الملاك والارادة) اي العنصر الاول والثاني من مرحلة الثبوت وليس بلحاظ العنصر الثالث الاعتبار فاذا وجد ملاك وارادة في الحكم الظاهري وبالتاكيد يوجد ملاك وارادة ي الحكم الواقعي فهنا يحصل التضاد او يحصل اجتماع المثلين سواء كانت الصياغة الاعتبارية هي اعتبار الحكم التكليفي او كانت اعتبار العلمية والطريقية .
اما اذا قلنا بان الحكم الظاهري لا ملاك له ولا ارادة اصلا اي لا يوجد اي مبادى للحكم الظاهري حتى في جعله فلا يوجد تنافر بين المبادى فلا يتحقق التضاد لانه لا يوجد تنافر بين المبادى لانه السالبة بانتفاء الموضوع , باعتبار ان الحكم الظاهري حسب الفرض الثاني لا مبادى له فلا يحصل تضاد ولا يحصل تنافي سواء كانت الصياغة والجعل للحكم الظاهري على مسلك الحكم المماثل ام كانت على مسلك جعل الطريقية والعلمية .

الوجه الثاني :(للسيد الخوئي ) المبادى في نفس الجعل
ذكرنا فيما سبق اننا يمكن ان نتصور مبادى الحكم في نفس الفعل او في نفس المتعلق الذي تعلق به الحكم الشرعي , وايضا ممكن ان نتصور ول على نحو الفرض مبادى الحكم في نفس الجعل مع عدم وجود ملاك وارادة في الفعل , او في نفس متعلق الفعل او متعلق الحكم .
ولابطال البرهان الاول (برهان التضاد ) ذكر السيد الخوئي ما يلي :
ونذكره  على شكل خطوات :
الخطوة الاولى : اننا نفترض للحكم الظاهري مبادى لكن هذه المبادى تكون في نفس الجعل اي في نفس جعل الحكم الظاهري ولا توجد مبادى للحكم الظاهري في المتعلق (الفعل) المشترك بينه بين الحكم الظاهري وبين الحكم الواقعي .
مثال : عندما نتحدث عن الحكم الظاهري فالمفروض عندنا شك لان موضوع الحكم الظاهري هو الشك في الحكم الواقعي , والحكم يتعلق بالفعل وحينئذ نقول هذا الفعل المتعلق الذي تعلق به الحكم هو واحد اما صلاة الجمعة واجبة او محرمة اي ان الفعل واحد ويكون مثلا اما واجبا واقعا او حراما ظاهرا او يكون حراما واقعا او مباحا ظاهرا وغيرها من الصور التي يكون فيها الفعل واحدا مشتركا وبلحاظ الحكم الواقعي يوجد مبادى في هذا الفعل المشترك , وبلحاظ الحكم الظاهري لا يوجد مبادى في هذا الفعل المشترك ,لكن المبادى موجودة في نفس جعل الحكم الظاهري .

الخطوة الثانية :ان الحكم الشرعي يمر بمراحل او عوالم
الاول :عالم الملاك والارادة (عالم المبادى )
الثاني: عالم الاعتبار اي الصياغة وهو العنصر الثالث
الثالث: عالم الامتثال
وهذا التقسيم للسيد الخوئي يختلف عن التقسيم الذي ذكرناه سابقا فهنا انتقلنا من عالم الثبوت والاثبات والابراز الى عالم الامتثال .

الخطوة الثالثة:
أ- ان التنافي والتضاد بين الاحكام الشرعية التكليفية لا يحصل في عالم الاعتبار وبلحاظه فلا يوجد تنافي وتضاد بين الحرمة والوجوب في عالم الاعتبار لانه لا يوجد تنافر بين اعتباريهما .
ب- يحصل التنافي والتضاد بين الاحكام في عالم الملاك والارادة والمبادى وبلحاظه فالشي الواحد لا يمكن ان يكون مبغوضا ومكروها وفي نفس الوقت يكون مرغوبا ومحبوبا .
فالتنافي والتضاد يحصل ويتحقق بين الحرمة والوجوب في عالم الملاك والارادة لانه يوجد تنافي وتنافر بين مبادئهما .
ج- يحصل تنافي وتضاد بين الاحكام في عالم الامتثال وبلحاظه , فالشيء الواحد لا يمكن ان يرسل ويبعث اليه ويحرك نحوه وفي نفس الوقت يمنع منه ويزجر عنه اي لا يمكن للمكلف في مقام الامتثال ان ينبعث ويتحرك نحو الشيء وفي نفس الوقت يمنع يوزجر ولا يتحرك ولا ينبعث نحو نفس الشيء .
وعليه :
1- لا يوجد تنافي وتضاد بين الاحكام في عالم الاعتبار
2- يوجد تنافي وتضاد بين الاحكام في عالم الملاك والارادة والمبادى
3- يوجد تنافي وتضاد بين الاحكام في عالم الامتثال

الخطوة الرابعة : اذا كانت الحرمة واقعية والوجوب ظاهرياً وما دامت الحرمة الواقعية المتعلقة بالفعل مشكوكا بها فانه ياتي الكلام في الحكم الظاهري لان موضوع الحكم الظاهري الشك في الحكم الواقعي والشك في الحكم الواقعي متحقق فياتي دور الحكم الظاهري يقول بوجوب هذا الفعل اذن الفعل الواحد تعلق به الحكم الواقعي (الحرمة الواقعية المشكوكة) وتعلق به الحكم الظاهري (الوجوب الظاهري) فيكون هذا الشيء حراما واقعا وفي نفس الوقت واجب ظاهراً. وعلى هذا الاساس لو تبين او ثبت بان هذا الشيء حرام واقعاً وهو قد ثبت الحكم الظاهري عليه او في مورده وهو الوجوب اي نفس الفعل او الشيء ثبت وجوبه ظاهرا وهو حرام واقعاً فانه :
أ- لا تنافي ولا تضاد بين الحكمين في عالم الاعتبار
ب- ولا تنافي ولا تضاد بين الحكمين (الحرمة الواقعية والوجوب الظاهري) في عالم الملاك والارادة والمبادى , لاننا وحسب الفرض نفترض ان الملاك والارادة للحكم الظاهري هي في نفس جعله ولا يوجد للحكم الظاهري ملاك وارادة في نفس الشيء الذي تعلق به الحكم الواقعي , فلا تجتمع ارادتان على شيء واحد ولا يجتمع ملاكان على شيء واحد .
ج- ولا تنافي ولا تضاد بين الحكمين في عالم الامتثال وذلك لان الحرمة الواقعية غير واصلة ومادام الحكم الواقعي الحرمة مثلا غير واصله فلا يوجد امتثال ولا متطلبات عملية من تحريك وبعث وارسال وامساك بالنسبة للحكم الواقعي لان الحكم الواقعي غير واصل ولان وجوب الامتثال واستحقاق الحكم للامتثال هو فرع الوصول (العلم ,القطع , او الجعل الشرعي ) والتنجيز والتنجز  يكون اعم من العلم الواقعي ومن العلم المجعول من قبل الشارع او العلم الاعتباري او الحكم الظاهري بمعنى انه اول شيء يصل بالعلم او بالقطع او بالجعل الشرعي فيتنجز الحكم وبعد ذلك يتفرع على التنجز وجوب امتثال الحكم .

جواب الوجه الثاني :-
الجواب على ما ذكره السيد الخوئي انه ذكر افتراضين في المقام :
الافتراض الاول : افتراض المصلحة والملاك بالنسبة للحكم الظاهري انها في نفس الجعل اي في نفس جعل الحكم الظاهري وهذا الافتراض غير تام وذلك :
اننا لو سلمنا بامكان جعل الحكم الشرعي لملاك في نفس الجعل ( اي جعل الوجوب , جعل الحرمة ) بدون ان يكون المولى مهتما بوجود الفعل (الذي تعلق به الوجوب ) اطلاقاً ( اي لم ينظر الى الفعل ولا يوجد مبادى بالفعل ) وانما الذي دفع المولى لجعل الحكم هو وجود المصلحة في نفس الحعل (جعل الحرمة , جعل الوجوب) اقول : لو سلمنا بذلك فانه لا اثر لمثل هذا الجعل ولا يحكم العقل بوجوب امتثثاله لاننا وحسب الفرض نعلم ان المولى غير مهتم بوجوده ولا يريد الفعل ولا يوجد ملاك وارادة في الفعل ...

الافتراض الثاني : افتراض ان الحكم الظاهري لا ينشا من مبادى (ملاك وارادة ) في متعلقه بالخصوص فالسيد الخوئي ينفي وجود مبادى في متعلق الحكم الظاهري بالخصوص ...
وهذا الافتراض تام , ويكفي ان نبطل احد الافتراضين وهو كافي في ابطال الوجه الذي طرحه السيد الخوئي للرد على البرهان الاول او الاعتراض الاول .

وعلى ضوء ما تقدم وبعد ان ابطلنا الاعتراض الذي سجله الشيخ النائيني على البرهان الاول ( التضاد) وابطلنا الاعتراض الذي سجله السيد الخوئي على البرهان الاول فاما ان نققول بتمامية البرهان الاول اي بتمامية التضاد فلا جعل للحكم الظاهري او نبين التفسير الواقعي الحقيقي التام للحكم الظاهري وبه نرد ايضا على البرهان الاول ( شبهة التضاد ) اي ندفع شبهة التضاد .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق