الأربعاء، 3 أغسطس 2016

حقيقة الحكم الظاهري

قلنا ان الافتراض الثاني الذي ذكره السيد الخوئي تام , وهو ان مبادى الحكم (الملاك والارادة ) لا ضرورة في تواجدها في متعلقه بالخصوص وحتى نقول بامكانية الحكم الظاهري علينا ان نجمع بين هذا الافتراض وبين افتراض ان مبادى الحكم الظاهري ليست قائمة بالجعل حتى لا يلزم تفريغ الحكم الظاهري من حقيقته وروحه , وهذا الافتراض هو نقيض ما ذكره السيد الخوئي في الافتراض الاول الذي قلنا بعدم تماميته .
وبهذا اللحاظ سيكون عندنا شبهتان :
1- الشبهة الاولى :شبهة التضاد
2- الشبهة الثانية : شبهة تفريغ الحكم الظاهري من حقيقته وروحه
ولدفع الشبهة الاولى اي شبهة التضاد علينا ان نقول بالافتراض الاول وهو افتراض ان مبادى الحكم الظاهري لا ضرورة في تواجدها في متعلقه بالخصوص .
ولدفع الشبهة الثانية اي شبهة تفريغ الحكم الظاهري من حقيقته وروحه علينا ان نقول بالافتراض الثاني الذي ذكرناه  وهو افتراض ان مبادى الحكم الظاهري ليست قائمة بالجعل .
ولكن السؤال كيف نجمع بين الافتراضين ؟ والكلام في الجمع بين الافتراضين وهما :

الافتراض الاول : افتراض ان مبادى الحكم الظاهري لا ضرورة في تواجدها في متعلق الحكم الظاهري بالخصوص لكي لا يلزم التضاد
أ- ففي حالة الموافقة الحكم الظاهري للحكم الواقعي فان مبادى الحكم الظاهري توجد في متعلقه وهي نفسها مبادى الحكم الواقعي وفي نفس المتعلق .

ب- وفي حالة المخالفة :فان الحكم الظاهري لا يوجد فيه مبادى في متعلقه بل المبادى هي في الحكم الواقعي ومتعلقه وسياتي بيان ذلك ان شاء الله تعالى .

الافتراض الثاني : افتراض ان مبادى الحكم الظاهري ليست قائمة بالجعل فقط ( حتى لا يلزم تفريغ الحكم الظاهري من حقيقة وروح الحكم ).
ويتحقق الجمع بين الافتراضين بالقول (( ان مبادى الاحكام الظاهرية هي نفس مبادى الاحكام الواقعية ))
بتعبير اخر :
نطبق ذلك على الافتراض الاول الذي ذكرنا فيه فرعان فانه :
أ- لو وافق الحكم الظاهري الحكم الواقعي ففان مبادى الحكم الظاهري هي نفس مبادى الحكم الواقعي كما لو وافقت الحرمة الظاهرية الحرمة الواقعية فان مبادى الحكم الظاهري هي نفس مبادى الحكم الواقعي .

ب- ولو خالف الحكم الظاهري الحكم الواقعي كما لو خالفت الاباحة الظاهرية الحرمة الواقعية فكذلك ان مبادى الحكم الظاهري هي نفس مبادى الحكم الواقعي .
تنبيه :
قال الاستاذ المعلم محمد باقر الصدر في الافتراض الاول ( ان مبادى الحكم الظاهري لا ضرورة في تواجدها في متعلق الحكم الظاهري بالخصوص ) اي  ممكن ان توجد في متعلق الحكم الظاهري , وممكن ان لا توجد فيه لكن لا ضرورة بوجودها في متعلق الحكم الظاهري وهنا نحتاج الى ان نفسر بأنه في حالة الموافقة يوجد مبادى في متعلق الحكم الظاهري وفي حالة المخالفة لا يوجد مبادى في متعلق الحكم الظاهري وهذا من تطبيقات عدم الضرورة وفعلا وجد الحكم الظاهري دون المبادى .

البيان 
ندخل في البيان وفيه عدة خطوات :
الخطوة الاولى :
أ-الحرمةالواقعية لها ملاك اقتضائي (وارادة ومبادى اقتضائية ) وهي المفسدة والمبغضوية القائمتان في الفعل
توضيح معنى الملاك :
اولا :الملاك يراد به عادة المصلحة .

ثانيا : للتمييز بين ملاك الحرمة وملاك الوجوب يقال ان ملاك الوجوب هو المصلحة في الفعل و لتحقيق المصلحة او المنفعة والفائدة فالمولى يجعل ويعتبر الحكم , اما في الحرمة فانه يوجد مفسدة والمولى يجعل الحرمة والمنع وذلك لوجود المفسدة المترتبة على الفعل .
ثالثا: وهذا يعني ان مدلول الملاك تارة يكون المصلحة واخرى المفسدة وثاثلة يكون النظر الى جعل الحرمة وخارج مفسدة الفعل , فهنا المولى جعل الحرمة لمنع المفسدة وارتكاب المحرم ويلازم منع المفسدة وجعل الحرمة يلازمها وجود مصلحة وبهذا اللحاظ نستطيع ان نقول ان ملاك الحرمة هي المصلحة المترتبة على منع المحرم منع وزجر المكلف من الاتيان بالمحرم .

رابعاً: عندما نتحدث في الملاك الاقتضائي واللاقتضائي ,المفروض يكون الكلام في الاباحة , لاننا تحدثنا عن وجود اباحة اقتضائية واباحة لا اقتضائية , فنحتاج في الاباحة ان نذكر الاقتضائية واللاقتضائية اي الملاك الاقتضائي والملاك اللاقتضائي , اما عندمت نذكر الحرمة والوجوب فلا حاجة (لو ضمن هذه المرحلة الدراسية وهذه البحوث ) الى ذكر الاقتضاء ولو ذكرنا الاقتضاء واللاقتضاء في الوجوب والحرمة فلا اشكال فيه ومعناه ان يكون الملاك يقتضي الارادة والشوق والحب والبعث والتحريك , ويقتضي الجعل اي جعل الحكم , او الذي يقتضي ابراز هذه الارادة او الذي يقتضي اشغال ذمة المكلف بالفعل في موارد الوجوب او اشغال ذمة وعهدة المكلف بالانزجار والامتناع عن الفعل في موارد الحرمة .

خامسا : بهذا نعرف ان الحرمة الواقعية لها ملاك اقتضائي ولها ارادة واقعية وهي المفسدة والمبغوضية القائمتان في الفعل , وهذه المبغوضية والمفسدة هي التي تدفع المولى الى المنع والزجر والنهي او التحريم . ولهذا ان المولى بعد ان يدرك المفسدة (الملاك) في الفعل الحرام فانه يتولد البغض والنفور من هذه المفسدة او عنها , او يشتاق الى الحكم بالحرمة للمنع والنهي والزجر عن الفعل
ب- الوجوب الواقعي  له ملاك اقتضائي وهي المصلحة والمحبوبية القائمتان في الفعل فالمصلحة والمحبوبية تدفع المولى الى الامر بالفعل او الحث والارسال نحو الفعل او طلب الفعل او الامر بالفعل .
ج-الاباحة الواقعية :
1- اباحة اقتضائية : ملاكها اقتضائي فتنشا عن وجود ملاك في ان يكون المكلف مطلق العنان ( وهذا بلحاظ عمل وموقف المكلف ) اي الملاك يقتضي ويدفع ويحث او يسبب في ان يكون المكلف مطلق العنان , وهذا الاقتضاء يكون بلحاظ المكلف وعمل وموقف المكلف وهو اطلاق العنان للمكلف .
2- اباحة لا اقتضائية : تنشا عن خلو الفعل (المباح) من اي ملاك ( هذا بلحاظ الفعل ,فالفعل خالي من اي ملاك ) .

والفرق بين الاباحتين هو :
اولا: ان ابلااحة الاقتضائية تكون بلحاظ المكلف فالمكلف يكون مطلق العنان .
ثانيا: ان الاباحة اللاقتضائية تكون بلحاظ الفعل فالفعل يكون خاليا من الملاك .

الخطوة الثانية : اختلاط الاحكام
وهنا صورتان :
أ- اذا اختلطت المباحات بالمحرمات
ولم يتسطع المكلف التمييز بينهما اي بين المباحات والمحرمات فلا تتغير ملاكات ومبادى الاحكام , فالحرام على حرمته واقعا وفيه مبادى الحرمة والمباح على اباحته واقعا وفيه مبادى الاباحة .

ب- اذا اختلطت الواجبات بالمحرمات
  ولم يستطع المكلف التمييز بينهما , فلا تتغير ملاكات ومبادى الاحكام فالحرام على حرمته واقعا وفيه مبادى الحرمة والواجب على وجوبه واقعا وفيه مبادى الوجوب .

الخطوة الثالثة :توجيه المكلف
المولى في مقام توجيه المكلف ( الذي اختلطت عليه احكام المباحات بالمحرمات )فهو بين امرين :
أ- اما ان يرخص المكلف في ارتكاب كل ما يحتمل اباحته .
ب- او ان يمنع المولى المكلف عن ارتكاب كل ما يحتمل حرمته
توضيح ذلك :
اولا: بعد ان اختلطت الاحكام على المكلف ولم يستطع التمييز بينها .
ثانيا: مع وجود العلم ومع وجود المعصوم نستطيع ان نعرف الحكم الواقعي ومعه لا حاجة للحكم الظاهري لكن ومن الواضح بسبب القصور والتقصير من الناس صار الخلط بين الاحكام الواقعية .
ثالثا: وبالرغم من القصور والتقصير فان الله تعالى انعم علينا بالاحكام الظاهرية وسلوكها وانتهاجها وذلك لعلمه بالقصور والتقصير ولعلمه بوقوع الخلط فجعل لنا الاحكام الظاهرية والتي تنتهج في مثل هذه الحالات .
رابعا:وظيفة ومنهج وعمل واسلوب المولى الرحيم الغفور العطوف اللطيف وللطفه ونظامه ورحمته ورعايته وتسديده في مثل هذه الحالات فانه مثلا :
أ- في حالة اختلاط المباحات بالمحرمات فالمولى بين امرين :
الامر الاول : ان يرخص المولى المكلف في ارتكاب كل ما يحتمل اباحته , فيقول له ما دام اختلطت المباحات بالمحرمات ( فكل شيء لك مباح او انت مطلق العنان )

الامر الثاني : واما ان يمنع المولى المكلف عن ارتكاب كل ما يحتمل حرمته فنقول لان الخلط بين المحرمات والمباحات واقع , وكل فرد من هذه الاراد احتمل فيه الحرمة وكذلك احتمل فيه الاباحة والمولى اذا منع عن ارتكاب كل ما يحتمل حرمته فعند  الامتثال سامتنع عن الجميع لان الجميع فيه احتمال الحرمة ولان المولى حسب الفرض الكلام اصدر منع لكل ما يحتمل حرمته .

ب- اذا اختلطت الواجبات بالمحرمات فالمولى بين امرين :
الامر الاول : اما ان يمنع المكلف عن ارتكاب كل ما يحتمل حرمته .
الامر الثاني : واما ان يوجب كل ما يحتمل وجوبه .
خامسا : عندما نقول المولى بين امرين فلا نريد ان نحدد ونحجم من عمل المولى وصلاحياته , وان كان المولى ممكن ان يميز لكن هذا مع الفرض ان الخلط وقع وفرض ان العصيان والذنب والقصور والتقصير قد تحقق والقانون الالهي بوقوع الغيبة وفي تاجيل الظهور المقدس ايضا متحقق فالكلام في هذا العصر الذي فيه ننفي وجود التمييز بين الاحكام الواقعية لوجود الغيبة ولوجود العصيان والقصور والتقصير من الناس ومن هنا لا يبقى الا ان نقول المولى بين امرين اما ان يرخص في الجميع او يمنع عن الجميع .

الخطوة الرابعة :بلحاظ المحرمات
أ- ان اهتمام المولى بالاجتناب (اجتناب المكلف) عن المحرمات الواقعية يدعوه الى المنع عن ارتكاب كل ما يحتمل حرمته .
وتوضيح ذلك يكون بعدة نقاط :
اولا: تارة المولى يهتم بالمحرمات واخرى يهتم بالمباحات وبغض النظر عن المقارنة بين الاثنين اي بين المحرمات والمباحات , اي اذا نظرنا الى المحرمات بصورة مستقلة والى المباحات بصورة مستقلة ايضا , فان المولى في المحرم يدرك المفسدة وتحصل المبغوضية , والزجر والمنع , وبعدها يحصل الجعل والصياغة ,ومن ثم يحصل الابراز بالمنع (الزجر,الكف,الترك) .
وفي الاباحة فان المولى يدرك الملاك , ومن ثم تتولد ارادة وشوق وحب الى اطلاق العنان وبعد ذلك يجعل او يصوغ او يبرز ما يبين المراد والملاك وهو اطلاق العنان او قل ما يكشف عن اطلاق العنان هذا اذا كان النظر بصورة مستقلة .

ثانيا: اما اذا كان النظر الى المحرمات وهي مختلطة بالمباحات او كان النظر الى المباحات وهي مختلطة بالمحرمات .
فمثلا اذا كان الاختلاط بين المحرمات والمباحات فالمولى بكل تاكيد سيهتم لمنع المحرم اي يحب ويرغب ويشتاق الى منع المحرم او يشتاق ويحب ويرغب ويهتم بمنع المكلف عن ارتكاب المحرم ,ولذا ان المولى لو اراد ان يتحقق هذا الاجتناب والمنع فانه سيدعو المكلف الى الامتناع عن كل هذه الامور والاحكام التي اختلطت فيما بينها حتى يضمن ان المكلف سيمتنع عن كل المحرمات باعتبار ان الاحكام كثيرة ومختلطة لان منها محرم ومنها ما هو مباح وحتى يضمن ان المكلف سيمتنع عن الجميع يقول له اترك الجميع لانه لو قال افعل البعض او اترك البعض والخيار لك لاحتمل ان يقع المكلف في بعض او كل المحرمات او اكثرها .
ثالثا : اذا اراد المولى ان يمنع المكلف عن جميع المحرمات فلا خيار امامه الا ان يقول للمكلف كل ما شتك بحرمته اتركه , وبهذا يضطر المكلف لترك كل هذه الامور التي وقع فيها الخلط في احكامها بين الحرمة والاباحة ولهذا قلنا ان المولى بين امرين .

رابعا: المولى يريد ان يرشد المكلف الى الاجتناب والامتناع عن المحرمات الواقعية فقط ولكي يحقق هذا الامتناع عن الجميع اضطر ان يمنع المكلف حتى عن المباحات التي اختلطت بالمحرمات هذا حتى يضمن بانه قد منعه عن الجميع ويضمن انه قد امتنع واجتنب عن جميع المحرمات الواقعية .
خامسا: عندما ننظر الى الملاك في الحرمة بانه عبارة عن مصلحة وفائدة ومنفعه فاننا نستطيع ان نقول ان اهتمام المولى بالاجتناب اي المولى يحب المنع والزجر والنهي والحرمة اي يحب حرمة الفعل الفاسد .
ولذا نقول : ان اهتمام وحب واشتياق وارادة المولى باجتناب المكلف عن المحرمات الواقعية يدعوه الى المنع عن ارتكاب كل ما يحتمل حرمته وليس المنع عن كل ما يعلم ويتيقن ويقطع بحرمته .

ب- لكن (المنع) غير ناشيء من مبغوضية ومفسدة كل ما يحتمل حرمته (لان بعض ما يحتمل حرمته فهو مباح وليس فيه محرما وحسب الفرض من ان الاختلاط بين المحرمات والمباحات )
توضيح ذلك :
اولا: المولى عندما يمنع عن ارتكاب كل ما يحتمل حرمته اي المنع عن المباح والحرام فانه ما هو منشا هذا المنع فهل هو ناشيء من وجود ملاك ومفسدة ومبغوضية لكل ما يحتمل حرمته ؟
وبتعبير اخر ان المنع عن هذه الامور التي اختلطت هل فعلا هذا المنع ناشيء عن وجود مفسدة ومبغوضية لكل ما يحتمل حرمته ؟
ثانيا : ونجيب على ذلك بان المنع لم ينشا من وجود مفسدة ومبغوضية لكل ما يحتمل حرمته لاننا نتيقن بوجود مباحات ضمن هذه الاحكام التي منع المولى عنها ومن الواضح ان المباح لا يوجد فيه مبغوضية , ولا يوجد فيه مفسدة وفي المثال اننا نتيقن بوجود مجموعة من المائة هي مباحات فلا يوجد مبغوضية ولا مفسدة فالمنع عن المائة لا يدل على مبغوضية المائة ولم ينشا من مبغوضية المائة .
ثالثا: ينبغي الالتفات الى نكته في المقام وهي :
ان الحكم الظاهري بالمنع او الحرمة كم مصداق او تطبيق او متعلق له او قل ان الحكم الظاهري بالحرمة كم فعل تعلق به او تعلقت به هذه الحرمة ؟
والجواب على ذلك ان الحرمة الظاهرية تعلقت بالمحرمات الواقعية وكذلك تعلقت بالمباحات الواقعية التي اختلطت مع المحرمات , وهذا يعني ان الحكم الظاهري بالحرمة صار له افراد ومتعلقات وتطبيقات اكثر من الحرمة الواقعية لان الحرمة الظاهرية تعلقت بافراد ومتعلقات الحرمة الواقعية , واضافة الى ذلك تعلقت بافراد وتطبيقات المباحات الواقعية التي اختلطت بالحرمة , وبهذا اللحاظ تكون الحرمة الظاهرية اوسع واعم مطلقا من الحرمة الواقعية , لانها تشمل افراد الحرمة الواقعية واضافة الى هذا تشمل افراد المباحات الواقعية ,ويفرع على هذا فرعان :
الفرع الاول :ان الحكم الظاهري بالحرمة عندما يطابق الحكم الواقعي فهو بالحقيقة ناظر الى نفس افراد الحرمة الواقعية , فلا يوجد تضاد ولا يوجد اجتماع مثلين لان الحرمة الظاهرية كما تقدم تشمل افراد الحرمة الواقعية وافراد المباحات الواقعية , فاذا حصل التطابق فهو في الحقيقة ناظر الى نفس افراد الحرمة الواقعية اي الحكم الظاهري ناظر الى نفس افراد الحكم الواقعي .
الفرع الثاني: واذا خالف ففي مثل هذه الحالة ليس المقصود المباح اي هو غير ناظر الى المباح  ولم يصدر ويجعل الحكم الظاهري بالحرمة الظاهرية في المثال بلحاظ هذه المصاديق , اي بلحاظ الافراد الاعم وكأنما في الظاهر الحرمة الظاهرية شملت الاعم اي شملت افراد الحرمة الواقعية وافراد المباحات الواقعية التي اختلطت بالمحرمات لكن بالدقة وفي الحقيقة ان الحرمة لم تنشا لوجود مفسدة ومبغوضية في كل هذه الافراد الاعم وانما نشأت لوجود مفسدة ومبغوضية في حصة من الحصتين وهي حصة المحرمات الواقعية فقط وفقط ولم تلاحظ المباحات الواقعية .
اذن منشا الحكم الظاهري كالحرمة الظاهرية في المثال هو المفسدة والمبغوضية في الحكم الواقعي اي الملاك والمبادى في الحكم الظاهري المطابق واضافة الى هذا لضمان تحقيق هذا  الامر ففي المثال الحرمة الظاهرية اصدرها وانشأها المولى لسببين :
السبب الاول: لوجود المفسدة والمبغوضية في المحرمات الواقعية او قل لتحقيق الملاك في الاحكام الواقعية المطابقة .
السبب الثاني: حتى يضمن المولى ان المكلف سيمتنع ويجتنب عن الجميع اي ان المولى يحرم حتى المباحات المختلطة بالمحرمات حتى يضمن ان المكلف قد اجتنب الجميع وبالتالي فان المولى يضمن تحقيق الملاك .

وبمجموع هذين السببين ينشأ الحكم الظاهري والسببان هما
تحقيق الملاك والمبادى في الاحكام الواقعية المطابقة
وضمان تحقيق هذه المبادى .
ج- بل ان المنع صدر لضمان الاجتناب عن المحرمات الواقعية الموجودة ضمن ما يحتمل حرمته , لانه لو قال المولى امتنع عن الخمسين او عن الستين , بل حتى لو قال امتنع عن التسعين او عن التسع والتسعين حالة او واقعة فلا يضمن ان المكلف امتنع عن جميع المحرمات الواقعية الموجودة ضمن ما يحتمل حرمته لاحتمال ان الحكم الواحد , او الواقعة الواحدة التي اتى بها المكلف وامتنع عن الباقي (التسع والتسعين ) فيحتمل ان هذه التي اتى بها المكلف هي محرمة في الواقع فلا يوجد ضمان انه امتنع عن كل المحرمات اما اذا امتنع عن جميع وفي المثال عن المائة فانه يضمن لو امتنع عن المائة بالتاكيد سيكون قد امتنع عن جميع المحرمات الواقعية .

د- وعليه يقال : ان المنع هو منع ظاهري ناشيء من :
اولا: مبغوضية المحرمات الواقعية .
ثانيا : الحرص على ضمان اجتنابها .

الخطوة الخامسة : بلحاظ المباحات :والكلام في الاباحة يكون في فرعين
أ- اذا كانت الاباحة الواقعية اقتضائية (اي ذات ملاك اقتضائي) وهي ناظرة الى المكلف فيكون المكلف مطلق العنان .

ب- فان اهتمام المولى باطلاق عنان المكلف في المباحات الواقعية يدعوه الى الترخيص في كل ما يحتمل اباحته ,
بتعبير اخر : ان اهتمام المولى باطلاق العنان للمكلف واعطاء الحرية والخيار للمكلف وعدم منعه وعدم الزامه في المباحات الواقعية ,اي حتى يريد ان يحقق اطلاق العنان للمكلف ويضمن تحقق اطلاق العنان في المباحات الواقعية كما في المثال السابق نقول عندنا مائة حالة بعضها من المباحات وبعضها من المحرمات فالمولى عندما يقول للمكلف انت مطلق العنان في المائة فانه يضمن بان المكلف قد اطلق العنان في كل المباحات الواقعية اما اذا قال له مثلا اختر خمسين او ستين او تسعة وتسعين فلا يضمن انه قد اختار كل المباحات وقد اطلق العنان في كل المباحات .

ج- لكن (الترخيص) غير ناشيء من وجود ملاك ومبادى الاباحة في كل ما يحتمل اباحته (لان بعض ما يحتمل اباحته فهو حرام وليس مباحاً حسب الفرض من ان الاختلاط بين المباحات والمحرمات ).

د- بل الترخيص صدر لضمان اطلاق العنان في المباحات الواقعية الموجودة ضمن ما يحتمل اباحته .

الخطوة السادسة : الموازنة
في مثل هذه الحالة فان المولى يقارن ويزن بين الملاكات ودرجات اهتمامه بالملاكات والاحكام وهنا فرضان :

الفرض الاول : الترخيص الظاهري والاباحة الظاهرية 
ان كان الملاك ( الاقتضائي) في المباحات الواقعية (اقوى واهم ) من الملاك في المحرمات الواقعية :
أ- فان المولى يرخص في المحتملات (اي يرخص في كل ما يحتمل اباحته )
ب- هذا الترخيص يشمل =( المباح الواقعي + والحرام الواقعي (اذا كان الحرام الواقعي ضمن ما يحتمل اباحته )) اي ان الحرام الواقعي الذي اختلط بالمباح ايضا يكون مشمولاً بالترخيص .
ج- لكن نقول ان شمول الترخيص للحرام الواقعي لا يكون منافيا لحرمته ( اي لا يحصل التضاد ) بينهما وذلك :
 لان الترخيص لم ينشأ عن ملاك للاباحة في نفس متعلق الترخيص اي في نفس المباح الواقعي والحرام الواقعي بمجموعهما , بل نشأ عن (ملاك الاباحة في المباحات الواقعية + والحرص على ضممان اطلاق العنان في المباحات الواقعية وتحقق الملاك )


الفرض الثاني : المنع الظاهري والحرمة الظاهرية 
اذا كان الملاك في المحرمات الواقعية (اقوى واهم ) من الملاك (الاقتضائي) في المباحات الواقعية فانه :
أ- فان المولى يمنع من الاقدام في المحتملات ( اي يمنع عن كل ما يحتمل حرمته )
ب- هذا المنع يشمل =(الحرام الواقعي +والمباح الواقعي الاقتضائي ((اذا كان المباح الواقعي الاقتضائي ضمن ما يحتمل حرمته ))
اي اختلط بالمحرم وهو حسب الفرض مختلط .
ج- لكن نقول ان شمول المنع للمباح الواقعي لا يكون منافيا لاباحته ( اي لا يحصل التضاد ) اي لا نقول اجتمع المنع مع الاباحة واطلاق العنان , بتعبير اخر لا يحصل تنافر وتنافي بين الاحكام وذلك :
لان المنع الذي يشمل الحرام الواقعي والمباح الواقعي لم ينشأ عن ملاك ( او لم ينشأ عن مبغوضية ومفسدة ) للحرمة الظاهرية في نفس متعلق الحرمة الظاهرية اي في الحرام الواقعي والمباح الواقعي الاقتضائي بل نشأ عن : ( ملاك الحرمة في المحرمات الواقعية + والحرص على ضمان اجتنابها وعلى تحقق الملاك ) لذلك عممنا الى كل ما يحتمل حرمته حتى وان كان من المباحات الواقعية .

ومن هنا نعرف انه ليس بالضرورة ان تكون ملاكات الحرمة دائما هي الراجحة على ملاكات الاباحة لذلك وقع الشيخ الاستاذ محمد اسحاق الفياض (دام ظله ) بهذا الاشكال , وهذا ما اشرنا اليه في مدخل الفكر المتين في بحوث البراءة ,فانه من ضمن الاشكالات التي سجلت على الشيخ الفياض انه فهم كلما حصل التزاحم او الاختلاط بين المحرمات والمباحات فالترجيح والتقديم دائما يكون لملاكات الاحكام الالزامية , اي ان الشيخ الفياض تمسك بأن ملاكات الاحكام الالزامية سواء كانت المحرمات م الواجبات هي التي ترجح على غيرها وفي المقام تكون المسالة اوضح بين المحرم والمباح فيرجح ملاك الحرمة دائما على ملاك الاباحة .
وهذا الشيء غير صحيح خاصة مع وجود الاختلاط بصورة كبيرة في الاحكام واذا قلنا بهذذا فيمكن ان نقول بعدم تصور المباح واصدار احكام بالاباحة والترخيص الظاهري .

الخلاصة :
عندما يحصل الاختلاط والتزاحم في الملاكات بين المحرمات والمباحات الاقتضائية فان الموازنة والترجيح يكون :
1- اذا كانت ملاكات الحرمة ارجح واهم فان المولى يصدر الحرمة الظاهرية
2- اذا كانت ملاكات الاباحة الاقتضائية ارجح فان المولى يصدر الاباحة الظاهرية او الترخيص الظاهري .
اما اذا كان الاختلاط بين المحرمات والاباحة اللاقتضائية , فهنا يقال للشيخ الفياض انه يرجح الملاك الالزامي لان الاباحة اللاقتضائية لا ملاك فيها فيرجح الملاك على عدم الملاك لذلك يجب علينا ان نميز بين الاباحة الاقتضائية والاباحة اللاقتضائية .

الخطوة السابعة
أ- اذا كانت الاباحة الواقعية لا اقتضائية فالفعل فيها خال من اي ملاك
ب- وعليه فهي لا تصلح لان تنافي الحرمة , وذلك لانها لا تدعو لخلاف ما تدعو اليه الحرمة .
ج-ولذلك فان المولى لا يجد ما يحول دون اصدار المنع الظاهري
ت-المنع الظاهري سيشمل (الحرمة الظاهرية) = (الحرام الواقعي + المباح الواقعي اللاقتضائي )
ث-لكن شمول المنع الظاهري (الحرمة الظاهرية ) للمباح الواقعي اللاقتضائي لا يكون منافيا لاباحة المباح وذلك :
   لان المنع الظاهري لم ينشأ عن مبغوضية نفس متعلقه بل نشأ عن  =( مبغوضية المحرمات الواقعية +الحرص على ضمان اجتنابها )

الخطوة الثامنة
والمتحصل وهو المختار : ان الاحكام الظاهرية : هي خطابات تعين الاهم من الملاكات والمبادى الواقعية ,حيث اختلطت على المكلف الملاكات والمبادى الواقعية والتي يتطلب الحفاظ على كل نوع منها خلاف ما يتطلبه الحفاظ على النوع الاخر كاختلاط ملاكات ومبادى الحرمة مع ملاكات ومبادى الاباحة , وكاختلاط ملاكات ومبادى الحرمة مع ملاكات ومبادى الوجوب .
ومن هنا نعرف انه لا حقيقة للحكم الظاهري الا بلحاظ الحكم الواقعي اي لا ملاك ولا ارادة ولا مبادى للحكم الظاهري , الا بلحاظ مبادى الحكم الواقعي وهذا يعني ان الاحكام الظاهرية هي خطابات لتعين الاهم من الملاكات (ان صح التعبير ) هي عبارة عن مبرز للحكم الواقعي الاهم وللمبادى الواقعية الاهم .
وعلى ضوء ما تقدم نعرف ان ملاكات الاحكام الظاهرية هي نفس ملاكات الاحكام الواقعية اي لا ملاك للحكم الظاهري الا ملاك الحكم الواقعي الذي يشير اليه ويبرز اهميته الحكم الظاهري فالحكم الواقعي هو الاساس ,والمبادى هي مبادى الحكم الواقعي ,والارادات هي ارادات الحكم الواقعي , اما الحكم الظاهري فهو يبرز ويشير الى المبادى والملاكات والارادات والاحكام الواقعية الاهم والاقوى في حالات الاختلاط بين ملاكات وارادات ومبادى الاحكام .
 الخطوة التاسعة
وبهذا يتم الجواب على البرهان الاول فيبطل اعتراض وبرهان التضاد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق